وذكر موقفا من
مواقفه، وهو يشبه كل مواقفه، فقال: { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ
أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ
لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي
بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ
شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 48]
فلهذا يا بني
يمكنك أن تستعيذ من الشيطان ووساوسه، لكن ذلك وحده لا يكفي.. فما دمت تستمع إليه،
وتحن لحديثه، وتتلقاه بكل أريحية، ولا تنفر عنه، ولا تولي وجهك لذلك الملاك الطيب
الذي يبالغ في تحذيرك.. فاعلم أنك على خطر، وأن الاستعاذة وحدها لا تكفي.
ومثل من يكتفي
بالاستعاذة دون أن يصد نفسه عن الغواية، مثل الذي يشرب المسكرات، ويدمن على
المحرمات، ثم يقول عند بداية شربه لها وإدمانه عليها: بسم الله.
فذكرك لله،
واستعاذتك به تنبيه لك حتى تراعي جانب الألوهية، وليس مجرد لقلقة لسان، ولا طقطقة
مسبحة.
لقد ذكر الله
تعالى ذلك، فقال: { إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ
الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201].. وذكر من
يحنون لوساوس الشيطان، ويستجلبونها، ويرتاحون لها، فقال: {وَإِخْوَانُهُمْ
يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ } [الأعراف: 202]
فلذلك اتفق جميع
الحكماء على أنه لا يمكن لأحد أن يلزم السراط المستقيم من غير أن يدقق في كل عمل
يعمله، أو خاطر يخطر على قلبه، وهل هو من إلهام الملاك، أو من وسوسة الشياطين..
فلا ينجو من الشيطان إلا من حاسب نفسه،