هل رأيت الله تعالى في كتابه الكريم يذم هذه العيون
الباكية.. أم تراه يثني عليها، ويعظمها، ويعتبرها الأسوة والقدوة؟
فأولئك ـ وإن
قعدت بهم فاقتهم دون الالتحاق برسول الله a ـ إلا أن قلوبهم
كانت معه.. وأروحهم كان تسير خلفه في كل محل يذهب إليه.. وهم لذلك أغنى الأغنياء،
وأثرى الأثرياء.. وأين غنى الأغنياء أو ثراهم أمام تلك الجواهر التي سقطت من
عيونهم عند فراقهم لرسول الله a.
لقد ذكرهم رسول
الله a، وهو بعيد عنهم، وهم بعيدون عنه، فقال: (إن بالمدينة
لقوما ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا، إلا كانوا معكم فيه)، قالوا: يا رسول الله،
وهم بالمدينة؟ قال: (وهم بالمدينة، حبسهم العذر)[1]
كان يمكنك يا
بني أن تقرأ تلك الآيات قبل ذهابك إليهم، لتراهم بصورتهم الحقيقية.. تلك الصورة
التي لم يرها المستكبرون، فراحوا يطالبون رسول الله a
بأن يطردهم، وألا يمكنهم من مجلسه حتى يحطموا صنم الفقر الذي طالبتهم بتحطيمه.
فأولئك الذين
سخر المشركون من لباسهم وهيئتهم ومطعمهم ومشربهم كانوا مريدين لله.. ومتوجهين بكل
كيانهم إليه.. وكان في إمكانهم أن ينالوا من حظوظ الدنيا ما تشاؤه الأهواء.. لكنهم
رضوا باختيار الله لهم.. وقد قال a يذكرهم: (ألا