وقال لعائشة
عندما أشارت بيدها إلى قصر صفية: (لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته)، وقال
لها عندما حكت إنسانا: (ما أحبّ أنّي حكيت إنسانا وأنّ لي كذا وكذا) [2]
هل رأيت ـ يا
بني ـ كيف تفعل أعواد الثقاب في الغابات.. كذلك تفعل الذنوب بحقيقة الإنسان.. فكل
ذنب يطبع طابعه في القلب والنفس والروح.. ليملأها بالغشاوة.. ثم تتراكم الذنوب
لتتحول بصيرة الإنسان إلى العمى المطبق الذي لا يبصر الحقائق، وكيف يبصر من وضع على
عينه الغشاوة، وعلى قلبه الحجب؟
لقد أشار الله
تعالى إلى ذلك، عندما أخبر رسوله a عن نفوس المشركين والمجادلين والمعترضين..
وأنها لا تملك من الأدلة على اعتراضها أي أثارة من عقل أو علم، وإنما كل ما حصل
لها بسبب الذنوب التي كدرت صفو بصيرتها، فامتلأت بالعمى، وهل يمكن للأعمى أن يبصر؟
لقد ذكر الله
تعالى ذلك، فقال: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}
[المطففين: 14]، ثم بين آثار ذلك الران على العلاقة بين العبد وربه، فقال: {كَلَّا
إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15]، فالسبب في
ذلك الحجاب ليس من الله، وإنما من عند من ملأوا قلوبهم بأنواع الشبه التي تحول
بينهم وبين ربهم.
وقد سبق ذلك
قوله تعالى: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ
بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12)
إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [المطففين: 10
- 13]، وهي تبين أن ذلك الحجاب كان قد صنع في الدنيا