لا تتوهم يا بني أني عندما أدعوك إلى الجد والاجتهاد
وأخذ كتاب حياتك بقوة، أني أنهاك عما فُطرت عليه من حب اللهو واللعب والاستجمام
والراحة.. فمعاذ الله أن أحرم عليك ما أحله الله لك.. ومعاذ الله أن أتدخل بهواي
في الفطرة التي فطرك الله عليها؛ فأغيرها وأبدلها، فما صارع الفطرة أحد إلا صرعته،
ولا غالبها إلا غلبته، ولا شاد أحد الدين إلا غلبه.
ولكني يا بني
أدعوك إلى أمرين يحميان لهوك من أن يصبح حبلا من حبال الشيطان يدليه لك ليجرك إلى
حزبه.. فاسمع حديثهما من أبيك الحريص عليك.. فهو لم يستفدهما بالبحث والنظر، وإنما
استفادهما من كلمات ربك المقدسة، ومن الحكماء الذين عبروا عن مقاصدها، وبينوا
أغراضها.
أما أولها.. فأن
تعطي للهوك بعض وقتك .. لا كل وقتك.. فإن الله تعالى ما خلقك لتلهو وتلعب، وإنما
خلقك لتجاهد نفسك في سبيله، حتى تحقق لها مكارمها، وترقى بها إلى الكمالات التي
أتاحها لها.
فلذلك اجعل لهوك
مثل نومك، لا تلجأ إليه إلا بعد تعبك.. ومثل طعامك لا تلجأ إليه إلا بعد جوعك..
ومثل شرابك لا تلجأ إليه إلا بعد ظمئك.. فليس النوم ولا الطعام ولا الشراب إلا من ضرورات
الحياة التي من تناولها بقدرها استفاد منها، ومن أسرف فيها أضرت بحياته وصحته.
ولهذا قال الله
تعالى آمرا بالأكل والشرب، وناهيا عن الإسراف فيهما: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا
زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ
لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31]