ولو أنك تأملت يا بني معنى هذه الآية، ومعنى النهي عن
الإسراف لوجدت رحمة الله تعالى في نهيه عنه.. فالإسراف يرفع من الأشياء بركتها
وقيمتها، ومن أسرف في أكل شيء ذهبت عنه لذته، لزوال بركته عنه.. ولذلك كان الأكل
بعد الجوع ألذ للطعام من الأكل بعد الأكل، ومن غير حاجة.
وهكذا الأمر
بالنسبة للهو واللعب؛ فإنه إن استغرق كل أوقاتك، لم تخسر أوقاتك فقط، وإنما خسرت
لذتك في ذلك اللهو واللعب، حيث يصبح شيئا لا قيمة له، ولا تأثير له في نفسك، مثل
ذلك الطعام الزائد الذي قد يضرك أكثر مما ينفعك.
ولهذا ورد في
حكم الأنبياء والأولياء برامج تحدد مواقيت الجد واللعب، فاستفد منها، ونظم حياتك
على أساسها، ولا تدعها لكل أولئك الغافلين الذين يريدون أن تخرج من الدنيا، وأنت
خالي الوفاض من كل المكارم، فارغ الجيوب من كل الأجور.
فقد ورد في صحف
إبراهيم عليه السلام: (على العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن يكون له أربع
ساعات: ساعة يناجي فيها ربه عز وجل، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يتفكر فيما صنع
الله عز وجل إليه، وساعة يخلو فيها بحظ نفسه من الحلال فإن هذه الساعة عون لتلك
الساعات واستجمام للقلوب وتوزيع لها) [1]
وورد في حكمة آل
داود عليه السلام: (عبرة للعاقل اللبيب أن لا يشغل نفسه إلا في أربع ساعات: ساعة
يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يلقى فيها إخوانه الذين ينصحونه في
نفسه ويخبرونه بعيوبه، وساعة يخلو بين نفسه وبين ربها فيما يحل ويجمل فإن في هذه
الساعة عونا على هذه الساعات) [2]