فنعوذ بك من أن يصيب العته قلوبنا، أو
العمى أبصارنا، أو الصمم آذاننا، فلا ندرك الحقائق التي بثثتها في كونك، ونكون
حينها { كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }
[الأعراف: 179]
يا رب.. فاملأ أبصارنا بنور البصيرة حتى
تطغى بصائرنا على أبصارنا، فنرى الملكوت في الملك.. ونرى الباطن في الظاهر.. ونرى
اللطافة في الكثافة.. ونراك في كل شيء، فلا تغيب عنا في أي شيء.
يا رب.. واجعل سمعنا لك.. حتى لا نسمع
شيئا إلا لنهتدي به إليك، ويكون حادينا إلى روضات أنسك.
يا رب.. وأسمعنا ما أسمعته أهلك
وأولياءك الذين شغفوا بذلك النداء الذي لا يزال يرن في آذان قلوبهم عندما قلت
مخاطبا لخلقك: { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى } [الأعراف: 172]
يا رب.. واجعلنا نهتز طربا لسماع ذلك
النداء المقدس الممتلئ بكل أنواع الجمال.. حتى نعيش في عالم الطرب والسرور الذي لا
يغني عنه كل طرب الدنيا وسرورها.
يا رب.. واجعل كل شيء حادينا إليك.. حتى
نسير إليك بأبصارنا وأسماعنا وكل مداركنا.. لنشكرك بها.. فلا شكر للنعمة أعظم من
استعمالها للسير إليك.
يا رب.. ونعوذ بك أن تحجبنا بأبصارنا
وأسماعنا.. فنلتفت لغيرك، ونقع في تلك الهوة السحيقة التي وقع فيها من عبد هواه..
وراح يسمع لغيرك، ويكتفي بالنظر لسواك، فصار ممن { ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف:
104]