إليك لا إلى الأشياء.. حتى لا تكون الأشياء
فتنة لنا، وحجابا بيننا وبينك.
يا رب.. لقد سعد من قرأ حروف تدبيرك في كل
شيء.. فلم ير الرياح إلا مرسلة منك، متحركة بتحريكك: { وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ
الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الأعراف: 57]
ولم ير السحاب وهو يتجول في السماء ليبحث عن
الأرض التي يرويها إلا متحركا بعلمك وقدرتك: {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا
ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا
بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ
تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 57]
وهكذا لا يرى شيئا إلا رأى فيه مظاهر علمك
وقدرتك وحكمتك ولطفك: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ
اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ
النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ
الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ
الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ
لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164} [البقرة: 164]
لقد سعد.. لأن الأشياء لم تزده منك إلا
قربا.. والتدبير لم يزده منك إلا معرفة.. فصار حقيقا بذلك الوصف الذي وصفت به
العلماء، فقلت: { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } [فاطر:
28]
فنسألك يا رب أن ترزقنا هذه الرؤية، ونعوذ بك
من رؤية المحجوبين المنشغلين بأنواع التدبير عنك..
أولئك الذين يتناولون من بساتين فضلك، وبدل
أن يلهجوا بشكرك، ويعترفوا بفضلك، ويحمدوك على نعمك.. يذكرون كل شيء، يذكرون الماء
والهواء والتربة والضغط الجوي.. وينسوا أن يذكروك أنت.