ولو أنهم تواضعوا، وراحوا إلى البيان
النبوي الذي أرفقته مع تنزيلك، لعلموا أن رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم أخبر أن السلطان والقرآن
سيفترقان.. وأن كل الحكام الذين سيمر عليهم التاريخ لن يحكموا بشريعتك، وإنما
سيحكمون بأهوائهم وأسمائهم وعشائرهم.. وإلا فإن أسماءهم وحدها تدل عليها.. فهي
أحكام أموية أو عباسية أو عثمانية أو سعودية.. وليست أحكاما إلهية ربانية نبوية.
إلهي.. هم يتوهمون أن أحكامك بينهم
قاصرة على تلك الحدود التي شرعتها، أو العقوبات التي سلطتها على المجرمين والخونة
والظالمين.. ولم يعلموا أن شريعتك وأحكامك أعمق وأعظم، لأنها تبدأ بتربية النفس
وتهذيبها، وتنتهي بذلك المجتمع الفاضل الممتلئ بكل قيم الرحمة واللطف والعدالة.
لقد جربوا أن يقيموا لأنفسهم دولا
ودويلات وأنظمة بعيدة عنك، فتحققت لهم بعض مظاهر العدالة، فتوهموا أنه يمكنهم أن
يقيموا حياتهم بمعزل عنك، وقد وهموا، فتلك العدالة التي يرونها ليست سوى شباك
للشيطان يصطادهم بها.
فبتلك العدالة انتكست أخلاقهم، وظهرت بينهم
كل أصناف الشذوذ والإباحية والرذيلة، وتحولوا معها إلى عوالم غريبة، لا هي من عالم
الإنسان، ولا هي من عالم الحيوان.. ونجح الشيطان في تغيير خلقتهم وجبلتهم وفطرتهم.
إلهي.. ما حصل لهم ذلك كله إلا بتمردهم
عليك، وفرحهم بعلومهم، وتوهمهم أنهم يمكن أن يستغنوا عنك بذلك البصيص من نور العقل
الذي وهبتهم.. ولو أنهم استعملوه حق استعماله، لاهتدوا به إليك، ولنالوا من أشعة
فضلك ما يحميهم من تلك الظلمات التي أوقعتهم فيها نفوسهم الأمارة، وشياطينهم
المتمردة.