ثم كيف يقال بأن ذلك الأمر لم يكن على سبيل الحتم واللزوم، وقد قلت ـ سيدي
ـ مبينا أهميته وخطره: (هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده)، فهل هناك شيء أهم من
عدم الضلال.. بل عدم الضلال الأبدي؟
ومثل ذلك ـ سيدي ـ ما ذكره آخر مبررا فعل عمر، حيث قال: (إنما قصد عمر
التخفيف على رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم حين غلبه الوجع، ولو كان مراده a
أن يكتب ما لا يستغنون عنه لم يتركه لاختلافهم ولا لغيره لقوله تعالى ﴿
بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ [المائدة: 67] كما لم يترك تبليغ غير ذلك
لمخالفة من خالفه ومعاداة من عاداه، وكما أمر في ذلك الحال بإخراج اليهود من جزيرة
العرب وغير ذلك مما ذكره في الحديث)[1]
وما ذكره هذا لا يقل غرابة عما ذكره من قبله، لأنه يتنافى مع ما ورد في
الحديث من اهتمامك بالوصية، أما تركك للكتابة، فليس تقصيرا منك ـ سيدي ـ حاشاك.. وإنما
يفسر الأمر فيها كما يفسر سكوتك عن تحديد ليلة القدر بعدما حصل التنازع، فقد ورد في
الحديث عن عبادة بن الصامت قال: خرج النبي صلیاللهعلیهوآلهوسلم ليخبرنا ليلة القدر فتلاحى
(أي تخاصم وتنازع) رجلان من المسلمين، فقال: (خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى
فلان وفلان فرُفعت، وعسى أن يكون خيراً لكم، فالتمسوها في التاسعة والسابعة
والخامسة)[2]
وهكذا كان التنازع سببا في الحرمان من تحديد ليلة القدر.. لأنها نعمة
كبرى.. فلما لم يقدروها حق قدرها حرموا من ذلك.. وهكذا كان حرمانهم من تلك الوصية