نام کتاب : رسالة إلى الإمام علي نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 100
بأن يقال: هذا
أمير المؤمنين، ولا أشاركهم في مكاره الدّهر؟ أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش،
فما خلقت ليشغلني أكل الطّيّبات، كالبهيمة المربوطة همّها علفها، أو المرسلة شغلها
تقمّمها، تكترش من أعلافها وتلهو عمّا يراد بها، أو أترك سدى أو أهمل عابثا، أو
أجرّ حبل الضّلالة، أو أعتسف طريق المتاهة.. وكأنّي بقائلكم يقول: إذا كان هذا قوت
ابن أبي طالب، فقد قعد به الضّعف عن قتال الأقران، ومنازلة الشّجعان؟! ألا وإنّ
الشّجرة البرّيّة أصلب عودا، والرّواتع الخضرة أرقّ جلودا، والنّابتات العذية أقوى
وقودا، وأبطأ خمودا!)[1]
ثم أخذت ـ سيدي
ـ تصف ليل المتقين، وكيف يعمرونه بطاعة الله، فقلت: (أمّا اللّيل فصافّون أقدامهم،
تالين لأجزاء القرآن، يرتّلونها ترتيلا، يحزنون به أنفسهم، ويستثيرون به دواء
دائهم، فإذا مرّوا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا، وتطلّعت نفوسهم إليها شوقا،
وظنّوا أنّها نصب أعينهم، وإذا مرّوا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم،
وظنّوا أنّ زفير جهنّم وشهيقها في أصول آذانهم، فهم حانون على أوساطهم، مفترشون
لجباههم وأكفّهم، وركبهم وأطراف أقدامهم، يطلبون إلى اللّه تعالى في فكاك رقابهم)[2]
وهذا الوصف
في الحقيقة لم يكن وصفا إلا لليك وليل الصادقين من أصحاب رسول الله الممتلئ
بالعبادة.. والذين وصفتهم وصفا بليغا في خطبة من خطبك، فقلت: (لقد رأيت أصحاب
محمّد a، فما أرى أحدا يشبههم منكم! لقد كانوا
يصبحون شعثا غبرا، وقد باتوا سجّدا وقياما، يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقفون
على مثل الجمر من ذكر معادهم! كأنّ بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم! إذا ذكر
اللّه هملت