وهكذا كان
حلمك مع الجماعة التي دبرت لقتلك.. فأنت لم تحكم عليهم جميعا بالقتل، وإنما رحت،
وأنت في غمرات الموت تحذر من أن يقتل بك غير قاتلك.. لقد قلت لهم: (يا بني عبد المطّلب، لا ألفينّكم تخوضون دماء
المسلمين خوضا، تقولون: قتل أمير المؤمنين، ألا لا تقتلنّ بي إلّا قاتلي.. انظروا
إذا أنا متّ من ضربته هذه، فاضربوه ضربة بضربة، ولا تمثّلوا بالرّجل؛ فإنّي سمعت
رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم يقول: (إيّاكم والمثلة! ولو بالكلب العقور)[2]
وكما كنت حليما
لا يضيق صدرك، فقد كنت كريما لا يضيق جيبك بأي سائل، ففي الوقت الذي اغتنى فيه
الكثير، وصارت أموالهم لا تعد ولا تحصى، بل صار ذهبهم يقسم بالفؤوس كنت أنت لا
تزال على حالك القديم الذي تركك عليه رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم..
لأنك سيدي كنت
لا تمسك شيئا من مال يأتيك.. وقد حدث سالم الجحدري قال: (شهدت عليّ بن أبي طالب أتي بمال عند المساء، فقال:
اقتسموا هذا المال، فقالوا: قد أمسينا يا أمير المؤمنين فأخّره إلى غد. فقال لهم:
تقبلون لي أن أعيش إلى غد؟ قالوا: ما ذا بأيدينا؟ فقال: لا تؤخّروه حتّى تقسّموه)[3]
بل إنك تجاوزت
الكرم بمراحل عديدة.. فأنت صاحب الإيثار الذي يحرم نفسه ليطعم المحتاجين.. وقد نزل
فيك وفي أهل بيتك [4] قوله تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ
مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ
نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلاَ