وقلت في خطبة
أخرى: (ثمّ خلق سبحانه لإسكان سماواته، وعمارة الصّفيح الأعلى من ملكوته، خلقا
بديعا من ملائكته، وملأ بهم فروج فجاجها، وحشا بهم فتوق أجوائها، وبين فجوات تلك
الفروج زجل المسبّحين منهم في حظائر القدس، وسترات الحجب، وسرادقات المجد، ووراء
ذلك الرّجيج الّذي تستكّ منه الأسماع، سبحات نور تردع الأبصار عن بلوغها، فتقف
خاسئة على حدودها. وأنشأهم على صور مختلفات، وأقدار متفاوتات، أُولِي أَجْنِحَةٍ
تسبّح جلال عزّته، لا ينتحلون ما ظهر في الخلق من صنعه، ولا يدّعون أنّهم يخلقون
شيئا معه ممّا انفرد به، ﴿
بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُون (26) لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ
يَعْمَلُون﴾ [الأنبياء:26-27].. جعلهم اللّه فيما هنالك أهل الأمانة على وحيه، وحمّلهم إلى المرسلين
ودائع أمره ونهيه، وعصمهم من ريب الشّبهات، فما منهم زائغ عن سبيل مرضاته، وأمدّهم
بفوائد المعونة، وأشعر قلوبهم تواضع إخبات السّكينة، وفتح لهم أبوابا ذللا إلى
تماجيده، ونصب لهم منارا واضحة على أعلام توحيده. لم تثقلهم مؤصرات الآثام، ولم
ترتحلهم عقب اللّيالي والأيّام، ولم ترم الشّكوك بنوازعها عزيمة إيمانهم، ولم
تعترك الظّنون على معاقد يقينهم، ولا قدحت قادحة الإحن فيما بينهم، ولا سلبتهم
الحيرة ما لاق من معرفته بضمائرهم، وما سكن من عظمته وهيبة جلالته في أثناء
صدورهم، ولم تطمع فيهم الوساوس فتقترع برينها على فكرهم) [2]
المعرفة برسل الله:
أما ما وصلنا
من معارفك حول الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فهي في منتهى