نام کتاب : رسالة إلى الإمام علي نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 207
فمن ذلك أنك
سرت في جنازة، فرأيت رجلا يضحك، فقلت: (كأنّ الموت فيها على غيرنا كتب.. وكأنّ الحقّ فيها على غيرنا وجب.. وكأنّ
الّذي نرى من الأموات سفر عمّا قليل إلينا راجعون.. نبوّئهم أجداثهم، ونأكل
تراثهم، كأنّا مخلّدون بعدهم.. ثمّ قد نسينا كلّ واعظ وواعظة، ورمينا بكلّ فادح
وجائحة) [1]
ومن ذلك أنك عند رجوعك من صفّين، أشرفت على القبور بظاهر الكوفة،
فقلت ـ تسمع من كان معك، وتعظهم بذلك ـ: (يا أهل الدّيار الموحشة، والمحالّ
المقفرة، والقبور المظلمة، يا أهل التّربة، يا أهل الغربة، يا أهل الوحدة، يا أهل
الوحشة، أنتم لنا فرط سابق، ونحن لكم تبع لاحق، أمّا الدّور فقد سكنت، وأمّا
الأزواج فقد نكحت، وأمّا الأموال فقد قسمت، هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم؟)
ثمّ التفت
إلى من كان معك، وقلت: (أما لو أذن لهم في الكلام لأخبروكم: أنّ خير الزّاد
التّقوى)[2]
ومن ذلك أنك مررت بقذر على مزبلة، فقلت: (هذا ما بخل به الباخلون.. هذا ما كنتم تتنافسون
فيه بالأمس) [3]
وفي موعظة
أخرى قلت: (إنّما المرء في الدّنيا غرض تنتضل فيه المنايا، ونهب تبادره المصائب،
ومع كلّ جرعة شرق، وفي كلّ أكلة غصص، ولا ينال العبد نعمة إلّا بفراق أخرى، ولا
يستقبل يوما من عمره إلّا بفراق آخر من أجله، فنحن أعوان المنون، وأنفسنا نصب
الحتوف، فمن أين نرجو البقاء، وهذا اللّيل والنّهار لم يرفعا من شيء