وبمجرد
إسلامك، رحت تنهل المعارف الإيمانية من رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم، ولم يكن ذلك شديدا عليك، ولا
صعبا، فقلبك كان مثل ذلك المصباح الذي يكاد ﴿ يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ
تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾
[النور: 35]
وقد
كان لذلك النور النبوي الذي ملأ كيانك كله تأثيره المباشر فيك، حتى أنك لم تستطع
كتمان ما غمر قلبك من الحقائق، فرحت تطلب من رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم أن تنفس عن قلبك بالجهر بالحق
في ذلك الواقع المملوء بالطغيان، لقد قلت تحدث عن نفسك: (أقمت مع رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم بمكة فعلمني الإسلام،
وقرأت من القرآن شيئا فقلت: يا رسول الله إني أريد أن أظهر ديني، فقال رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم: (إني أخاف عليك أن
تقتل)، قلت: لا بد منه وإن قتلت، فسكت عني، فجئت وقريش حلقا يتحدثون في المسجد
فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فانتفضت الخلق فقاموا فضربوني،
حتى تركوني كأني نصب أحمر، وكانوا يرون أنهم قد قتلوني، فأفقت فجئت إلى رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم فرأى ما بي من
الحال، فقال لي: ألم أنهك؟ فقلت: يا رسول الله كانت حاجة في نفسي فقضيتها، فأقمت
مع رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم فقال: (الحق بقومك، فإذا بلغك ظهوري فأتني)[2]وهكذا
كنت أول رسول يكلف بهداية قومه، لقد ذكر ابن عباس موقفك هذا، وإعجاب رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم،
ودعوتك بسببه لهداية قومك، فقال: (دخل أبو ذر على رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم فقال: يا رسول الله مرني بما
شئت، فقال: (ارجع إلى أهلك حتى يأتيك خبري)،