ونحب أن ننبه هنا إلى أن من الأخطاء التربوية ربط الحمد على النعم الحادثة
دون النعم المستقرة المستمرة، لأن ذلك قد يشوه معنى الحمد في قلب المتلقي، فيتصور
أن النعم محصورة فيما يراه لا أنها تشمل كل شيء.
ولهذا قال الإمام علي :(إنّ لله تعالى عقوبات بالفقر ومثوبات بالفقر؛ من
علامات الفقر إذا كان مثوبة أن يحسن عليه خلقه ويطيع به ربه ولا يشكو حاله، ويشكر
الله تعالى على فقره، ومن علاماته ـ إذا كان عقوبة ـ أن يسوء عليه خلقه ويعصي ربه
بترك طاعته ويكثر الشكاية ويتسخط القضاء)
وهذا يدل على أن شكر الله يكون في حال الفقر والغني، ولا ينحصر في حال الغنى
وحده.
بل ورد ما هو
أخطر من ذلك، فقد ورد الترغيب في حمد الله حتى في الحالة التي يبلغ فيها الحزن
بالإنسان منتهاه، قال a:(إذا مات ولد العبد قال الله تعالى
لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم،
فيقول: فماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتا
في الجنة وسموه بيت الحمد)[2]
فالحمد عبادة ذاتية لله لا تتعلق بتقلبات المقادير وتصاريف الأحوال، ولهذا
كان a ـ وهو الذي كان
يعصب الحجر على بطنه من الجوع ـ يحمد الله على نعمة طعام قد نمتلئ حزنا إذا ما قدم
إلينا، ويحمد الله على نعمة العافية وهو محفوف بأنواع المخاطر التي تريد أن تجتثه
من أصوله.