نام کتاب : إيران دين وحضارة نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 414
ومن الأمثلة عليها قبوله بالعلوم
الأخلاقية، وكلامهم
فيها ـ كما يلخصه الغزالي ـ يرجع إلى حصر صفات النفس وأخلاقها وأجناسها وأنواعها
وكيفية معالجتها ومجاهدتها، وهو لا يرى ردها باعتبارها لا تناقض الشرع، بل يرى أن
كلامهم فيها مأخوذ من كلام الصوفية والمتألهين [1] الذين لم يخلو من وجودهم أي عصر
من العصور، ولذلك فإن الاستفادة منهم تلق لمزيد من التجارب والفوائد التي لم
تمنعنا الشريعة من الأخذ بها [2].
بعد هذا التقسيم لا يرى الغزالي
حرجا أن يستفيد اللبيب من كل علومهم ما عدا ما عارض الشرع منها، لأن معرفة الحق
مطلب كل عاقل، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها.
وهو ينكر على من يرد عليهم بمجرد
كونهم فلاسفة، ويشبه ذلك بالذي يسمع من النصراني قول: (لا إله إلا الله عيسى رسول
الله) فينكره، ويقول: هذا كلام نصراني، ولا يتوقف ريثما يتأمل أن النصراني كافر
باعتبار هذا القول أو باعتبار إنكار نبوة محمد a [3].
وبسبب هذا الفكر المتفتح المنتقي
استفاد الغزالي من الفلاسفة، وضمن ذلك كتبه بعد مزجه بالنصوص الشرعية، أو بعد
أسلمته، وقد لاقى بسبب ذلك النقد اللاذع من كثير من الطاعنين، كقول ابن العربي
المالكي: (إن شيخنا هذا [الغزالي] دخل بطون الفلاسفة ثم أراد أن يخرج فما قدر) [4]
وقد حصل له ذلك الاعتراض في
حياته، فقال مجيبا: (ولقد اعترض على بعض الكلمات في تصانيفنا في أسرار علوم الدين
طائفة من الذين لم تستحكم في العلوم
[1] التأله: التنسك والتعبد، انظر:
ابن منظور، لسان العرب 13 ص467 رقم: 8664.