نام کتاب : إيران دين وحضارة نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 413
برهانية لا سبيل إلى مجا حدتها
بعد فهمها) [1]، بل إنه يجعلها من الفروض
الكفائية ما دام هناك من يحتاج إليها، وهو لا يحذر سوى من استغلالها استغلالا
عقديا لا علاقة لها به[2].
ومن الأمثلة عليها قبوله العلوم المنطقية
المتعلقة بالنظر
في طرق الأدلة والمقاييس وشروط مقدمات البرهان وكيفية تركيبها، باعتبار أنه لا
يتعلق شيء منها بالدين ـ في رأي الغزالي ـ إلا ما حشيت به من أمثلة تتناقض وتتعارض
مع الأصول الدينية، ولأجل ذلك ألف الغزالي كتبه المنطقية، كمعيار العلم وغيره،
وحشاها بدلا من ذلك بالأمثلة الفقهية.
ومن الأمثلة عليها قبوله العلوم الطبيعية بما تشتمل عليه ذلك الحين من طب
وكيمياء وفلك وغيرها، ويرى الغزالي عدم تعرضها للدين، ولذلك لا ينبغي مخالفتهم في
شيء منها إلا بما هدى إليه الدليل العلمي، وهو لا يعتب على هذه العلوم إلا في جعلها
الطبيعة فاعلة بذاتها، ولذلك يدعو أثناء مطالعة هذه العلوم أن يعلم المطلع عليها (أن
الطبيعة مسخرة لله تعالى، ولا تعمل بنفسها، بل هي مستعملة من جهة فاطرها، والشمس
والقمر والنجوم والطبائع مسخرات بأمره، لا فعل لشيء منها لذاته) [3]
ومن الأمثلة عليها قبوله بما سماه [العلوم
السياسية]،
والتي يبحث فيها الفلاسفة عن الحكم المصلحية المتعلقة بالأمور الدنيوية، ولا يرى
الغزالي لذلك أي تعلق بالدين، بل يمكن الاستفادة من أبحاثهم فيها باعتبارها مستمدة
ـ كما يرى ـ من كتب الله المنزلة على الأنبياء، ومن الحكم المأثورة عن سلف
الأنبياء [4].
وهذا الموقف هو الذي أكسب
الغزالي فكرا سياسيا متينا يحتاج إلى مزيد دراسة.