دعوة
الأنبياء عليهم السلام والأولياء الخلص ليست من سنخ الفلسفة والبرهان المتعارف، بل
إنهم يهتمون بأرواح وقلوب الناس، ويوصلون نتائج البراهين إلى قلوب العباد، ويبذلون
الجهد لهدايتهم من داخل الروح والقلب، وإن شئت فقل: إن الفلاسفة وأهل البراهين
يزيدون الحجب، في حين أن الأنبياء عليهم السلام وأصحاب القلوب يسعون في رفعها. لذا
ترى أن من تربّوا على أيدى الأنبياء مؤمنون وعاشقون، في حين أن طلاب علماء الفلسفة
أصحاب برهان وقيلٍ وقال، لا شأن لهم بالقلب والروح) [1]
وهو
ينبهه إلى أن مقصده من هذا ليس احتقار الفلسفة ولا علم الكلام ولا العلوم العقلية
المرتبطة بها؛ فيقول: (ليس معنى ما أوردته أن تتجنب الفلسفة والعلوم البرهانية
والعقلية، أو أن تشيح بوجهك عن العلوم الاستدلالية، فهذا خيانة للعقل والاستدلال
والفلسفة، بل المعنى هو أن الفلسفة والاستدلال وسيلة للوصول إلى الهدف الأساسي،
فلا ينبغي -والحال كذلك- أن تحجبك عن المقصد والمقصود والمحبوب.. أو فقل: إن هذه
العلوم معبرٌ نحو الهدف وليست الهدف بحد ذاتها، فكما أن الدنيا مرزعة الآخرة، فإن
العلوم المتعارفة مزرعةٌ للوصول إلى المقصود، تماماً كما أن العبادات معبرٌ نحو
الله جل وعلا، فالصلاة -هي أسمى العبادات- معراج المؤمن والكل منه وإليه تعالى) [2]
وهو
يذكر له أن هذه المعارف الإلهية بحر لا ساحل له، وأنه لا يمكن الإحاطة بها، يقول:
(بني: لم أقصد من هذه الإشارات إيجاد السبيل لأمثالي وأمثالك لمعرفة الله وعبادته
حق العبادة مع أنه قد نقل عن أعرف الموجودات بالحق تعالى، وأعرفها بحق العبادة له
جل وعلا، قوله: (ما عرفناك حق معرفتك، وما عبدناك حق عبادتك)، وإنما لأجل أن نفهم
عجزنا، وندرك ضالتنا، ونهيل التراب على أنانيتنا وإنيتنا، لعلّنا بذلك نكبح جماح
هذا الغول،