ما
قال، لا إلى من قال؛ فما قلته لك صحيح، حتى وإن صدر عن مجنونٍ أو مفتون)[1]
وهو
يقارن بين هذا النوع من المعرفة بتلك التي اهتم بها الفلاسفة والمتكلمون، ويبين
مدى اتساع الهوى بين كلا المعرفتين؛ فيقول: (قد يبدو للوهلة الأولى أن هذا الادعاء
(بأن بعض الأمور البرهانية يمكن أن لا تكون موضعا للتصديق والإيمان) عقدةٌ يصعبُ
الاقتناع بها، بل لعل البعض قد يقطع بأنه أمر لا أساس له. ولكن ينبغي أن تعلم بأن
هذا الأمر أمر وجداني، وقد وردت إشارات إليه في القرآن الكريم، كالآيات الكريم من
سورة التكاثر، وأما الوجدان، فأنت تعلم بأن الموتى لا تصدر عنهم أية حركة، وأنهم
لا يستطيعون إلحاق الأذي بك.. إلا أنك قد لا تمتلك القدرة على النوم وحيداً براحة
في المقابر، وهذا ليس إلاّ لأن قلبك لم يصدق بما عندك من علم، وأن الإيمان بهذا
الأمر لم يتحصل لديك، في حين أن أولئك الذين يقومون بتغسيل وتكفين الموتى تحصّل
لهم الإيمان واليقين بهذا الأمر نتيجة تكرار العمل، فهم يستطيعون الخلوة مع الموتى
براحة بال واطمئنان. كذلك فإن الفلاسفة الذين أثبتوا بالبراهين العقلية أن الله
حاضرٌ في كل مكان، دون أن يصل قلوبهم ما أثبتته عقولهم بالبرهان، ولم تؤمن به
قلوبهم، فإن أدب الحضور لن يتحقق لديهم، في حين أن أولئك الذين أيقنوا بحضور الله
بقلوبهم، وآمنت قلوبهم بذلك، فإنهم -رغم أن لا مراودة لهم مع البراهين- فإنهم
يتحلّون بأدب الحضور، ويجتنبون كل ما ينافي حضور المولى. فالعلوم المتعارفة إذن
-وإن كانت الفلسفة وعلم التوحيد- لكنها تعد في حد ذاتها حجبا، وكلما ازدادت تزيد
الحجاب غلظة وسمكاً)[2]
وهو
يذكر أن هذا المنهج العرفاني في تحصيل المعارف الإلهية وتذوقها هو منهج الأنبياء
والأولياء الذين جعلهم الله قدوة وأسوة لخلقه، يقول: (إننا نعلم جميعا ونرى بأن