فوقها،
ثم قيل لهم: إن هناك قدرةً فوق هذه القدرة التي تملكونها، وهناك عالم أو عوالم
أخرى أبعد من هذا العالم، فهل تريدون الوصول إليها؟ فإنهم من المحال أن لا يتمنوا
ذلك، بل إنهم سيقولون بلسان الفطرة: ليتنا بلغنا ذلك أيضا!.. وهكذا طالب العلم،
فهو إن ظن أن هناك مرتبة أخرى -غير ما بلغه- فإن فطرته الباحثة عن المطلق ستقول: ياليت
لي القدرة للوصول إليه أو ياليت لي سعةً من العلم تشمل تلك المرتبة أيضا!)[1]
وبعد أن قدم هذه المقدمة البديهية التي
يتفق عليها جميع العقلاء، والتي يشير إليها الأثر المعروف: (منهومان لا يشبعان:
طالب علم، وطالب دنيا)[2]، ربط ذلك بمعرفة الله، وأن من عرف الله
وصل إلى النبع الذي يرتوي منه ظمؤه وأشواقه، فقال: (إن ما يُطمئن الجميع ويخمد
نيران النفس المتمردة ويحدُّ من إلحاحها واستزادتها في الطلب، إنما هو الوصول إليه
تعالى، والذكر الحقيقي له جلَّ وعلا؛ إذا كان مظهراً له، فإن الاستغراق فيه يبعث
الطمأنينة والهدوء، وكأنّ قوله تعالى: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ
تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28] هو نوع من الإعلان أن: انتبه انتبه!
عليك أن تلجأ إلى ذكره حتى تحصل على الطمأنينة لقلبك الحيران الذي يواصل القفز من
مكان إلى مكان والطيران من غصن إلى غصن)[3]
ثم
يخاطب ابنه ـ ومعه الشعب الإيراني ـ بكل رقة قائلا: (فاستمع ياولدي العزيز -الذي
أسأل الله أن يجعل قلبك مطمئنا بذكره- لنصيحة أبٍ قلق محتار، ولا تتعب نفسك
بالانتقال بطرق باب هذا الباب أو ذاك الباب، للوصول إلى المنصب أو الشهرة التي
تشتهيها النفس، فأنت مهما بلغت من مقام. فإنك سوف تتألم وتشتد حسرتك وعذاب روحك لعدم
بلوغك ما فوق ذلك، وإن سألتني: لِمَ لَمْ تعمل أنت بهذه النصيحة؟ أجبتك بالقول:
أنظر إلى