في
الكائنات للعبور منها إلى الله تعالى: (اعلم، أن العالم سواء كان أزلياً وأبدياً
أم لا، وسواء كانت سلاسل الموجودات غير متناهية أم لا، وسواء كانت سلاسل الموجودات
غير متناهية أم لا، فإنّها جميعا محتاجةٌ، لأن الوجود ليس ذاتياً لها، ولو تفكرت
وأحطت عقليا بجميع السلاسل غير المتناهية فإنك ستدرك الفقر الذاتي والاحتياج في
وجودها وكمالها إلى الوجود الموجود بذاته والذي تمثل الكمالات عين ذاته، ولو تمكنت
من مخاطبة سلاسل الموجودات المحتاجة بذاتها خطاباً عقليا وسألتها: أيتها الموجودات
الفقيرة، من يستطيع تأمين احتياجاتكم؟ فإنها ستردُّ جميعا بلسان الفطرة: (إننا
محتاجون إلى من ليس محتاجاً مثلنا إلى الوجود، وكمال الوجود) [1]
ويذكر
حاجة كل الكون إلى الله، وافتقاره إليه فقرا مطلقا، بمن فيهم أنبياء الله وأولياءه
وكل خلق الله؛ فيقول: (والمخلوقات الفقيرة بذاتها لن تتبدل إلى غنية بذاتها، فمثل
هذا التبديل غير ممكن الوقوع، ولأنها فقيرة بذاتها ومحتاجه، فلن يستطيع سوى الغني
بذاته أن يرفع فقرها واحتياجها. كما أن هذا الفقر الذي هو لازم ذاتي لها، هو صفة
دائمة أيضا، سواء كانت هذه السلسلة أبدية أم لا، أزلية أم لا، وليس سواه تعالى من
يستطيع حل مشاكلها وتأمين احتياجاتها)
[2]
بل
إنه يتجاوز ذلك الافتقار، ليعمق ذلك التوحيد ببيان أن كل ما نراه من كمال إنما هو
كمال إلهي، ولذلك كان الثناء عليه ثناء على الله، يقول: (إن أيّ كمال أو جمال
ينطوي عليه أي موجود ليس منه ذاتا، إنما هو مظهر لكمال الله تعالى وجماله
﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾ [الأنفال:
17] حقيقةٌ تصدق على كل شيء وكل فعل وكل قول)[3]