[يُزَكِّيهِم]
بعد عبارة [يُعَلِّمُهُمُ] أو قبلها، لعلّ المقصود في هذه الآيات هو هذا، أي تنقية
وتطهير وتزيين الناس، كالطبيب الّذي لا يكتفي بتوصية مريضه أنْ يفعل كذا وكذا، بل
يضعه في مكانٍ خاصٍّ، ويُعطيه ما يلزمه من دواء وعلاج، ويُخرج منه ما يضرّه. هكذا
كان وضع النبيّ الأكرم a وهذا
أسلوبه طوال ثلاثة وعشرين عاماً من نبوّته، وخصوصاً خلال السنوات العشر الّتي
عاشها في المدينة ومرحلة حكم الإسلام وتشكيل الحكومة الإسلاميّة) [1]
وانطلاقا
من ذلك كله، القيم الأخلاقية عنده تنتظم في أمرين:
أولهما
مراعاة أحكام الشريعة، لأنها من يضع المعايير الأخلاقية وحدودها وموازينها، وليس
الأهواء البشرية التي قد تخلط بين الخلق الحسن والخلق السيء.
والثاني:
مراعاة الإخلاص والصدق والتجرد لله، والبعد عن الرياء والعجب والغرور، والأخلاق
البراغماتية التي تنطلق من المصالح.
وسنشرح
كلا المعنيين في المطلبين التاليين:
1 ـ
مراعاة أحكام الشريعة ودورها في إصلاح الأخلاق:
بناء
على كون المقصد الأعلى من الشريعة الإسلامية تحقيق الأخلاق في الواقع الإسلامي
الفردي والاجتماعي، والسياسي والاقتصادي، بل في كل مجالات الحياة؛ فإن رعاية
الشريعة، وعدم تجاوز حدودها هو الكفيل وحده بتحقيق المسلم المتخلق، والمجتمع
المتخلق، والسياسي المتخلق، وهكذا لا تمس الشريعة شيئا إلا وأضفت عليه محاسن
الأخلاق، وجميل الآداب، كما قال رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)[2]
ولهذا
لم تكن عقوبة الذنوب قاصرة على تلك السيئات التي تنال الواقعين فيها، وإنما
عقوبتها الأكبر في تلك الأخلاق السيئة التي تغرسها في المرتكب لها، وقد تصبح ملكة
فيه