درج
العمل في مجتمعات أهل السنة على الفصل بين المؤسسة الدينية والدولة، وثمة كتابات
عدة تعرضت لهذه المسألة وشاركت في صياغة وضبط العلاقة بين الفقيه والسلطان. وظل
الاتجاه الغالب ينحو نحو التمييز بينهما. والتمييز غير الفصل الذي يدعو إليه
البعض، وإنما هو أقرب إلى تنوع الاختصاص واحترام حدوده) [1]
وبناء
على هذا يذكر فهمي هويدي أن [ولاية الفقيه]، ليست كما يزعم بعض السنة والشيعة من
أنها بدعة ابتدعها الخميني، وخالف بها أصول مذهبه، وإنما هي فكرة قديمة، مورست في
الواقع، ولم يكن دور الخميني إلا زيادة تأصيل لها، وتحويلها من مجرد ولاية ترتبط
ببيئة محدودة إلى نظام سياسي يشكل دولة كاملة، بل يطمح إلى الوصول إلى جميع بلاد
العالم الإسلامي، لتخضع جميعا تحت سلطة الولي الفقيه.
وما
ذكره فهمي هويدي في هذا الجانب ليس استنقاصا من دور الخميني في الدعوة لهذا
النظام، أو التأصيل له، ذلك أن الخميني نفسه أشار إلى هذا، وتحدث عنه كثيرا، حتى
يرد على تلك الشبه التي يوردها المخالفون له من المدرسة الشيعية.
ومن
أمثلة ذلك قوله في كتابه [الحكومة الإسلامية]: (إن موضوع ولاية الفقيه ليس موضوعاً
جديداً جئنا به نحن، بل إن هذه المسألة وقعت محلاً للبحث منذ البداية. فحكم
المرحوم الشيرازي [2] في حرمة التنباك كان واجباً
اتباعه، حتى من الفقهاء الآخرين أيضاً. وقد اتبع ذلك الحكم جميع علماء ايران
الكبار ماعدا بضعة أشخاص، وهو لم يكن حكماً قضائياً في خلاف بين بعض الأشخاص، بل
كان حكماً ولائياً (حكومياً) أصدره (رحمه الله)
[2] )
الميرزا حسن (أو محمد حسن) بن محمود الحسيني الشيرازي (1230 ـ 1312هـ ق) فقيه
اصولي، ورئيس الامامية في عصره. انتخب بعد وفاة الشيخ الانصاري مرجعا للشيعة. وقصة
التنباك المعروفة التي حصلت سنة وفاته وأدت إلى ترك استعمال التبغ من قبل ملايين
الايرانيين، مما سبب إلغاء الاتفاقية مع الانكليز، كانت نموذجاً واضحاً عن قدرته
الدينية وبصيرته السياسية.