نام کتاب : معارف النفس الراضية نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 297
الأرض فإنها أمكم، وإنه ليس من أحد عامل عليها خيراً أو شراً إلا وهي
مخبرة)([348])
والنصوص المقدسة تخبر أن الروح المرتبطة بالمخلوقات المختلفة ليست خاصة
بتلك القدرات المرتبطة بالتنصت والشهادة، وإنما هي أعظم من ذلك بكثير.
فهي تذكر أن لكل المخلوقات جامدة كانت أو حية قدرات خاصة بالإدراك؛ فهي
تدرك نفسها، وتعرف ربها، وتعرف الكثير من الأشياء المرتبطة بوظيفتها، وقد أشار إلى
هذا قوله تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا
وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾ (الأحزاب:72)
فالآية الكريمة تشير إلى أن الحياة العاقلة المدركة للعواقب هي التي منعت
هذا الكون من قبول أمانة التكليف، ولولا ما في الكون من طاقة الإدراك والاختيار ما
عرض عليه هذا العرض الخطير، ولولاها ما أجاب هذه الإجابة الواعية.
وهي تذكر أن لكل المخلوقات القدرة على الإحساس والشعور، كما قال تعالى في
وصف تأثير نزول القرآن على الجبل:﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ
عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ الله وَتِلْكَ
الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلهمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ (الحشر:21)،
والخشوع مجموعة مشاعر سامية يختلط فيها الحب بالهيبة والخشية والرجاء.
وكلها قدرات متاحة للجبال كما ذكر القرآن الكريم، وعدم إدراكنا لها لا
يعني عدم وجودها، لأنا ندرك عالم الخلق، ولا ندرك عالم الأمر، ولهذا قد نرى شخصا
أمامنا كالميت، فنتوهم أنه مجرد جسد ملقى، لكنا بعد ذلك نكتشف حياته، ثم يحكي لنا
ما شاهده من رؤى في تلك اللحظات التي كنا نتوهم فيه أنه لا يختلف عن الجماد، وقد
تكون تلك اللحظات التي شاهدها أسعد أيام حياته.