نام کتاب : مواهب النفس المرضية نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 154
ولهذا؛ فإن النصر الإلهي بمفهومه
الشامل لا يقتصر على الانتصار على الأعداء الحسيين فقط، وإنما يشمل أيضا الانتصار
على أعداء الروح، وأولهم الشيطان الرجيم؛ ذلك أن كل نصر حسي لا يكون معه النصر على
الشيطان سيتحول إلى هزيمة مريرة.
وبناء على هذا؛ فإن النتيجة
النهائية للنصر والهزيمة لا ترتبط بالدنيا فقط، وإنما ترتبط بالآخرة؛ فقد ينتصر
بعض الناس في بعض المعارك الدنيوية الهامشية البسيطة، لكنه يكتشف نفسه بمجرد رحلته
إلى عالم الآخرة أن كل تلك الانتصارات لم تكن سوى ركام من الهزائم يجتمع عليه
عذابها في الآخرة.
وقد أشار رسول الله a إلى ذلك عند حديثه مع الخصوم
الذين يأتونه ليحكم بينهم، حيث كان يقول لهم: (إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي،
ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له بنحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق
أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار) ([115])
وبذلك فإن المنهزم في تلك المحاكمات
الظاهرية هو الكاذب المدعي حتى لو حُكم له، لأن حكم البشر لبعضهم بعضا لا يغير في
الواقع شيئا.. ولذلك إن لم ينتصر صاحب الحق في الدنيا؛ فإنه سينتصر في الآخرة..
وبنصر أعظم من النصر الذي كان يمكن أن يحصل عليه في الدنيا.. بل إنه قد يتمنى أن
تكون كل انتصاراته قد أجلت له إلى الآخرة.
ويشير إلى هذا قوله a: (من كانت عنده مظلمةٌ لأخيه؛
من عرضه أو من شيءٍ، فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينارٌ ولا درهمٌ؛ إن كان
له عملٌ صالحٌ أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسناتٌ أخذ من سيئات صاحبه فحمل
عليه) ([116])