وكذلك لا تلتفت لأولئك الذين يتوهمون أن تعذيبهم لأنفسهم ورضاهم بالدون
من كل شيء، هو علامة زهدهم في الدنيا؛ فالأمر ليس كذلك، وقد روي عن بعض الصالحين
أنه رأى تلميذا له يشرب الماء الساخن في الصيف، زهدا في الدنيا، فقال له: (برّد
الماء؛ فإن النفس إذا شربت الماد البارد؛ حمدت اللّه بجميع الجوارح، وإذا شربت
الماء السخن؛ حمدت اللّه بكزازة)
وروي أنه a رأى شيخا يهادى بين ابنيه، قال: (ما بال هذا؟). قالوا: نذر أن يمشي، فقال:
(إنّ اللّه عن تعذيب هذا نفسه لغنيّ)، وأمره أن يركب([17]).
ولذلك فإن التدين لا يعني تحريم الحلال، ولا الطيبات التي أباحها الله
تعالى لعباده، وقد قال الله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله
الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ
لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ
كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: 32]
ثم عقب عليها ببيان المحرمات الحقيقية، فقال: ﴿قُلْ إِنَّمَا
حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ
وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِالله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ
سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى الله مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف:
33]