نام کتاب : مواهب النفس المرضية نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 43
أما أعلاها؛ فتلك الابتسامة التي تفتر بها ثغور الصالحين، لعلمهم بحكمة
ورحمة ولطف مرسلها، وأنه لم يقصد منها إيلامهم ولا إذلالهم، وإنما يقصد الترقي
بهم، وبنفوسهم، وأنه مع ذلك سيعوضهم بقدر كرمه ولطفه في هذه الدار، وفي الدور التي
تنتظرهم.
وقد قال بعضهم يذكر مشاعره في ذلك: (إني لأصاب بالمصيبة فأحمد الله عليها
أربع مرات أحمده إذ لم تكن أعظم مما هي، وأحمده إذ رزقني الصبر عليها، وأحمده إذ
وفقني للاسترجاع لما أرجو فيه من الثواب، وأحمده إذ لم يجعلها في ديني)
وكل هذه المعاني لم تكن لتتحقق لولا تلك النصوص المقدسة التي ورد الأخبار
فيها عن حقائق الأشياء.. ومنها أن الآلام ليست مقصودة بذاتها؛ فالله تعالى أكرم
وأرحم من أن يقصد إيلام عباده.. ولكنها وسيلة ضرورية للتطهير والترقي.. وهي محصورة
في فترة الاختبار.. وستزول بعدها مباشرة؛ فبعد أن يموت المؤمن لن يسمع بشيء اسمه
مرض، أو ألم، أو كآبة، أو حزن، لأنه استوفى كل حظوظه منها في مرحلة اختباره.
ولهذا؛ فإن أول ما ينشر الابتسامة في قلب المؤمن تجاه الآلام علمه
بمحدوديتها، حتى لو امتدت للحياة الدنيا جميعا، ذلك أنها لا تساوي شيئا أمام عمره
الممتد في الأحقاب؛ فالله تعالى لم يخلق الإنسان ليفنيه أو يميته، وإنما خلقه
للأبد، ولذلك لا تساوي تلك الفترة المحدودة من الألم شيئا في عمر الزمن الطويل.
بالإضافة إلى ذلك؛ فإن ذلك الألم محدود في محله، كما هو محدود في زمنه،
ولهذا قال الله تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ
وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ
الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة:155)، فقد ذكر تعالى أن البلاء يكون بشيء
من الخوف والجوع، أي بقليل منهما، وبنقص من الأموال والأنفس والثمرات، أي ذهاب
بعضها فقط وبقاء
نام کتاب : مواهب النفس المرضية نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 43