فرسول الله a
لا ينفي في هذا الحديث الأدلة الحسية الكثيرة التي حصلت في عصره، وإنما يشير إلى
الأدلة العامة، والتي ترتبط بجميع الأماكن والعصور.
ومع كون تلك الأدلة خاصة بعصر النبوة، إلا أننا لا ننكر دورها في زيادة
الإيمان، وخاصة لأولئك البسطاء الطيبين الذين يذكرون أمثال تلك الأحاديث، ويتغنون
بها في أشعارهم، فرحين بها، وربما يكون لها من التأثير في نفوسهم ما ليس للقرآن
الكريم نفسه.
وبما أننا أمرنا أن نخاطب الناس جميعا خواصهم وعوامهم؛ فإن حرصنا على
الخاصة لا يلغي حرصنا على العامة. ولذلك فإن تكذيب تلك النصوص بسبب رفض بعض الخاصة
لها ظلم وإجحاف.
أما استبعاد عقول الخاصة لأمثال تلك الأدلة؛ فهو لا يرجع إلى غرابتها، أو
ميلها إلى الخرافة، وإنما لمحدودية وعاء تلك العقول، ذلك أن قدرة الله تعالى لا
حدود لها.
ومن الأمثلة على ذلك ما نورده من الأحاديث الواردة في المصادر السنية
والشيعية حول حديث بعض الحيوانات، وإقرارها بنبوة رسول الله a.. فذلك لا يتنافى أولا مع القرآن الكريم الذي أخبر عن حديث
الحيوانات، كما قال تعالى عن النملة وقصتها مع سليمان عليه السلام: ﴿
حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا
النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ
وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ
أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى
وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي
عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾ [النمل: 18، 19]
وقال عن الهدهد: ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا
أَرَى الْهُدْهُدَ أم كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20)