فرجعت، وقال رسول الله k: (إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له؛ فليرجع)،
فقال: والله لتقيمنَّ عليه ببيّنة، أَمنْكمْ أحدٌ سمعه من النَّبيّ k؟ فقال أُبي بن كعب: (والله لا يقوم معك إلاَّ أصغر
القوم)، فكنت أصغر القوم، فقمتُ معه، فأخبرت عمر أنَّ النَّبيّ k قال ذلك) [1].
وهكذا روي عن الإمام عليّ أنه كان لا يقبل خبر الآحاد ولا
يعمل به إلاَّ إذا استحلف الرَّاوي باليمين أنَّه سمع الحديث عن رسول الله k [2].
لكن المحدثين في مرحلة التدوين وما بعدها لم يقبلوا بهذا،
لأنهم لو قبلوه لارتفعت حجية الكثير من العقائد التي فرضوها على الأمة فرضا،
ولزالت معها تلك المجلدات الكثيرة التي جمعوها، ولذهب معها كذلك تلك الآلاف وعشرات
الآلاف من الأحاديث التي حفظوها ليتميزوا بها عن سائر الناس.
ولهذا نراهم يجتهدون في إثبات خبر الواحد بأي سبيل من السبل،
وأولها تلك التشديدات التي لا يتقن سلفهم غيرها، فقد اعتبروا الطاعن في حجية خبر
الواحد في المسائل العقدية مبتدعا ومنحرفا، بل طاعنا في السنة النبوية نفسها، بل
مكذبا لرسول الله k.
قال ابن عبد البر مبينا موقف سلف السلفية من المتشدد في قبول
خبر الواحد: (مذهب الأئمة، أهل الفقه والأثر.. كلهم يدين بخبر الواحد العدل في الاعتقادات، ويعادي
ويوالي عليها، ويجعلها شرعاً وديناً في معتقده، وعلي ذلك
[2]إحكام الفصول في أحكام الأصول، أبو
الوليد سليمان بن خلف الباجي، تحقيق: د.عمران علي العربي، جامعة المرقب -
الجماهرية الليبية، الطبعة: الأولى - 2005م، 1/254.