من أول البراهين
الدالة على تهافت الروايات المرتبطة بهذه المجزرة عند القائلين بها هو كونها لم
تقبل عندهم إلا بسبب تصنيفهم العلمي لها، واعتبارها روايات تؤرخ للسيرة، وليست
روايات مرتبطة بالأحكام العقدية أو الفقهية، ولذلك رأوا أنه لا ينجر عنها أي عمل،
ولا عقيدة؛ فتساهلوا فيها.
وحالهم في ذلك
يشبه حال عطية القرظي الذي يضعونه ضمن الصحابة، وكان في الإمكان أن يوضع ضمن
الكفرة المارقين الخائنين الذين صوروهم بأنهم ذبحوا في تلك المجزرة، لسبب بسيط وهو
كونه لم ينبت، إما لصغر سنه، أو لتأخر الإنبات، كما قال يتحدث عن نفسه:(كنت في
الذين حكم فيهم سعد بن معاذ، فقربت لأقتل؛ فانتزع رجل من القوم إزاري، فرأوني لم
أنبت الشعر فألقيت في السبي)[1]
فهذا الحديث
الذي يعتبرونه أكبر دليل على تلك المجزرة، ينبئ أنه كان يبدو بالغا وقادرا على
القتال، وأنه كان قاب قوسين أو أدنى من القتل، لولا أن ذلك الصحابي راح يتأكد من
بلوغه، وعندما وجده لم ينبت، اختلف حاله اختلافا كليا، حيث نال وسام الصحبة
[1] سنن أبي داود، صحيح أبي داود، أبو
داود سليمان بن الأشعث السجستاني، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار إحياء
السنة النبوية، بيروت، رقم: 4404، 4405، صحيح الترمذي، سنن الترمذي، أبو عيسى محمد
بن عيسى بن سورة، تحقيق أحمد محمد شاكر، دار الفكر، بيروت، رقم: 1584 وقال: حسن
صحيح، السنن الكبرى (سنن النسائي الكبرى)، النسائي، أحمد بن شعيب، بيروت، لبنان،
مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 1421هـ/2001م، 6/ 155، وسنن ابن
ماجه، ابن ماجة أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، حققه محمد فؤاد عبد الباقي،
دار إحياء الكتب العربية، رقم: 2541.