ثم قال مثنيا
على رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم، ومبينا مدى رحمته في التعامل معهم: (أصدر
النبيّ a عفوا عاما عن هؤلاء اليهود شريطة أن يخرجوا
من المدينة إلى أيّ مكان شاءوا، فجلوا عنها إلى الشام آمنين على أنفسهم، وعلى ما
قدروا من حمله من أموالهم، وغادر بنو قينقاع يثرب سالمين بعد أن كانوا يتوقّعون
الموت جزاء نكثهم وتمرّدهم) [2]
ثم استدل لهذا
بما ذكره المستشرق [إسرائيل ولفنسون] في كتابه (تاريخ اليهود في بلاد العرب)،
وقوله: (كان لا بدّ من عمل حاسم إزاء بني قينقاع وهم يسكنون داخل المدينة في حيّ
واحد، من أحياء العرب وتطهير المدينة وأحياء الأنصار من غير المسلمين) [3]
وما ذكره أبو
الحسن الندوي عن موقف رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم صحيح،
وتمنينا لو أنه أعمل الدارية ليطبق ما حصل في هذه الغزوة على نظيرتها غزوة بني
قريظة، لسببين:
أولا ـ التشدد
عادة يكون مع أول الخائنين حتى يكون عبرة لغيره، وإلا فلا معنى للتشدد مع بني
قريظة، وهم آخر من كان يجاور رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم
في المدينة، وهم بأنفسهم طلبوا الجلاء عن المدينة مثلما فعل بمن سبقهم.
ثانيا ـ أن بني
قينقاع بسبب ثرائهم وكونهم من أغنياء اليهود، كانو يستعملون كل الوسائل لإذية
المسلمين، ولذلك كانت إذيتهم لهم شديدة، وفي أوقات حرجة، وقد ذكر المؤرخون
معاملتهم لرسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم، ووقاحتهم معه، حيث
أنه بعد أن جمعهم في سوقهم ونصحهم وذكرهم بمصير قريش في بدر، ردوا عليه بكل وقاحة:
(يا محمد، لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا ـ يعنون قلة خبرتهم في الحروب ـ لا يعرفون