وهذا ما تدل عليه أحكام الأنبياء b في
القرآن الكريم، وقد قال الله تعالى مخبرا عن العرض الذي عرض على يوسف من طرف
إخواته لاستبدال حكم الله بأحكام الهوى، فقالوا: ﴿ يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ
إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ
مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 78]، لكن يوسف A أخبرهم أن
حكم الله يتنافى مع ذلك، فقال: ﴿مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ
وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ﴾ [يوسف: 79]،
فاعتبر ذلك ظلما.
وبناء على هذا؛ فإن تلك الروايات التي
تضع جميع شباب بني قريظة في كفة واحدة مع العتاة المجرمين المستكبرين الذين قاموا
بالخيانة لا يتناسب مع العدالة القرآنية، التي تفرق دائما بين رؤوس القائمين
بالجريمة وغيرهم، كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ
بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ
إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) أَلَا تُقَاتِلُونَ
قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ
بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة: 12، 13]، فالآيتان الكريمتان تكادان
تنطبقان على ما حصل في بني قريظة من خيانة، وتضع الحكم الشرعي المرتبط بذلك، وهو
قتال أئمة الكفر الناقضين للعهود، وليس غيرهم من المستضعفين الذي لا تعرف أحوالهم.
وهكذا نرى القرآن الكريم عند ذكره
للمواجهين للأنبياء b يفرق بين الملأ المستكبرين، والعامة من
المستضفعفين، ويستخدم لذلك لفظ الملأ مقابل لفظ المستضعفين، كما قال تعالى: ﴿قَالَ
الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ
آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا
إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا
إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ﴾ [الأعراف: 75، 76]