وهذا ما طبقه رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم مع
قريش التي كانت أعتى وأكثر تجبرا من بني قريظة، ولكن مع ذلك عندما تمكن منها لم
يهدر دماء رجالها، ولا استباح نساءها، حتى القتلة منهم، وإنما اكتفى بإهدار دم
بعضها فقط، ثم عفا عنهم، كما سنرى ذلك عند حديثنا عن رحمة الشريعة؛ فهل يمكن أن
يفعل ذلك رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم مع قريش رأس الإجرام، ويترك أولئك المجرمين
البسطاء الذين لا يمكن مقارنتهم بها؟
3 ـ التساوي في فرص العفو:
من أكبر الأدلة على تدليس الرواة
للمجزرة تلك الروايات التي يذكرونها عن تنازل رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم عن تطبيق
ما ذكروا أنه حكم الله، على نفر من بني قريظة، نتيجة توسط بعض الناس لهم.
ومن الروايات الواردة في ذلك، والتي سبق
ذكرها ما حدث به ابن إسحاق؛ فقال: (وقد كان ثابت بن قيس بن
الشماس، كما ذكر لي ابن شهاب الزهري، أتى الزبير بن باطا القرظي، وكان يكنى أبا
عبد الرحمن ـ وكان الزبير قد من على ثابت بن قيس بن شماس في الجاهلية ذكر لي بعض
ولد الزبير أنه كان من عليه يوم بعاث، أخذه فجز ناصيته، ثم خلى سبيله ـ فجاءه ثابت
وهو شيخ كبير، فقال: يا أبا عبد الرحمن، هل تعرفني؟ قال: وهل يجهل مثلي مثلك، قال:
إني قد أردت أن أجزيك بيدك عندي، قال: إن الكريم يجزي الكريم، ثم أتى ثابت بن قيس
رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم، فقال: يا رسول الله إنه قد كانت للزبير علي منة، وقد أحببت أن أجزيه
بها، فهب لي دمه، فقال رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم: هو لك، فأتاه فقال: إن رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم قد وهب لي دمك، فهو لك، قال:
شيخ كبير لا أهل له ولا ولد، فما يصنع بالحياة؟ قال: فأتى ثابت رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم فقال: بأبي أنت وأمي