من أهم القيم
القرآنية التي نرى تعارضها التام مع ما روي في أحداث مجزرة بني قريظة قيمة [الرحمة]،
وهي قيمة لا يمكن التشكيك في أهميتها وضرورتها مثل قيمة [العدل] تماما، ذلك أنها
من القيم القرآنية الرفيعة، التي لا يمكن القول بنسخها.
ولذلك تعتبر من
الموازين التي نزن بها كل المواقف المنسوبة لرسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم، ذلك أن الله تعالى وصفه بهذه الصفة، فقال: ﴿وَمَا
أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]
ولذلك يستحيل أن
يوصف رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم بالانتقام أو الحقد أو ما يرميه به القائلون
بالمجزرة من أنه تدارك من خلال تشدده في عقوبة بني قريظة ما كان قصر فيه أثناء
تعامله مع بني النضير أو بني قينقاع؛ فيستحيل على النبوة، أن تنتقم من قوم بسبب
قوم آخرين.
ولذلك فإن مجرد
استحضار مشهد ذبح أولئك الشباب اليافعين الذين احتاجوا إلى أن يُكشف عن عوراتهم
حتى يعرف هل بلغوا أم لا كاف في تنزيه رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم عن ذلك، وكيف يفعل ذلك، وهو الحريص على إسلام الناس
جميعا، وكيف يفعل ذلك، ولما يبلغ أولئك الفتية مبلغ الرشد الذي يفهمون به الإسلام؟
وقد قال تعالى
مبينا حرص رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم على إسلام الناس
جميعا: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾
[الشعراء: 3]، وقال: ﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ
لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾ [الكهف: 6]
وأخبر عن حرصه
على هدايتهم باستعمال كل وسائل الهداية، فقال: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ
أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ
بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [القصص: 56]
وقد ذكر رسول
الله a ذلك عن نفسه، فقال: (إنما مثلي ومثل أمتي،
كمثل رجل استوقد نارا فجعلت الدواب والفراش يقعن فيه، فأنا آخذ بحجزكم، وأنتم
تقحمون فيه)[1]