المدلسين مع علمهم بأنهم قد يروون عن الضعفاء والكذابين
واليهود وغيرهم، وسبب ذلك كله هو الحرص على أكبر قدر من التفاصيل حول القضايا
المختلفة، لاعتقادهم أن الأعلم هو أكثر الناس إدراكا للتفاصيل.
وحتى نعرف مدى خطورة هذا، نذكر أن أكثر رجال البخاري ومسلم ـ
وهم الذين يعتبرهم المحدثون في أعلى درجات الوثاقة ـ ذكروا في المدلسين.. فكيف
بغيرهم؟
ولذلك فقد استعمل المحدثون كل ما أوتوا من حيلة لتبرير
التدليسات التي وقع فيها رجالهم، وخاصة من يعتبرونهم من الثقاة، كما صنع الحافظ
ابن حجر العسقلاني (المتوفى 852 هـ) في كتابه (تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين
بالتدليس)، والذي جمع فيه من رواة الكتب الستة وغيرهم، وقسمهم على مراتب خمس؛ لكل
واحدة منها ضابط ووصف.
ومن الأمثلة على التدليس ما سموه [تدليس الشيوخ]، وقد عرفه
الخطيب بقوله: (.. أن يروي المحدث عن شيخ سمع منه حديثاً، فيغير اسمه، أو كنيته،
أو نسبه، أو حاله المشهور من أمره؛ لئلا يعرف)[1]
وعرفه ابن الصلاح بقوله: (هو أن يروي عن شيخ حديثاً سمعه منه؛
فيسميه أو يكنيه بما لا يُعرف به كي لا يُعرف)[2]
ومن الأمثلة التي يوردها المحدثون للدلالة على صعوبة التعرف
على التدليس ما ورووا أنه اجتمع أصحاب هشيم؛ فقالوا: لا نكتب عنه شيئا مما
[2]معرفة
أنواع علوم الحديث، ويُعرف بمقدمة ابن الصلاح، عثمان بن عبد الرحمن، أبوعمرو،
المعروف بابن الصلاح ، المحقق: نور الدين عتر، دار الفكر- سوريا، دار الفكر
المعاصر – بيروت، 1406هـ - 1986م. (ص167)