صورة الرؤوف
الرحيم، الذي ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثما؛ فهل يمكن لذلك
الصحابي أن يكون أرحم من رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم، وهل
يمكن لرسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم، وهو يعلم أن ذلك الحكم غير واجب التنفيذ،
وأنه أتيح له أن يعفو عمن يشاء أن يترك العفو، ويلجأ إلى العقوبة؟
هذا كله يضع
الحادثة جميعا، بالروايات المختلفة الواردة فيها موضع شك، ذلك أنها لا تسيء فقط
لرسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم، وللإسلام، وإنما تناقض كل تلك المعاني التي
أخبر القرآن الكريم عنها بشأن اليهود الذي استعملوا مع رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم كل صنوف المكر والخداع والحيلة.
ثالثا ـ الإساءة لرسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم في
روايات المجزرة:
وهي من الأدلة
التي يمكن اعتمادها أيضا للدلالة على المصدر اليهودي للمجزرة، وإن كان يمكن
إدراجها أيضا للدلالة على مصادر أخرى، ذلك أن القرآن الكريم أخبر أن الإساءة لرسول
الله a لم تقتصر على اليهود فقط، وإنما شملت أيضا
مرضى القلوب والمنافقين سواء منافقي المدينة المنورة، أو مكة المكرمة.
لكن للأسف يصور
المؤرخون وعلماء السيرة أن النفاق خاص بأهل المدينة، أما مكة، وقريش خصوصا؛
فيصورونهم، وبعد تلك الحروب الطويلة التي واجهوا بها رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم بصورة المؤمنين الصادقين في إيمانهم، وأنهم كلهم
صاروا صحابة أجلاء، يحرم الحديث عنهم، أو انتقادهم، أو انتقادات الروايات التي
تصدر عنهم.
ونحن لا يعنينا
أي من هذه المصادر، ولكن وجود الإساءة نفسها في روايات المجزرة، دليل على عدم
عدالة ووثاقة من رواها، بل هي دليل على أن من رواها لم يقصد إلا الإساءة لرسول
الله a، واتهامه في رأفته ورحمته وأخلاقه العالية
التي ذكرها القرآن الكريم، بل التي ذكرها علماء السيرة أنفسهم وفي مواضع كثيرة،
والتي حاولت هذه الروايات