بحكمة ووعي
فأسرعت بإيقاف النزيف، وأبقت السهم في صدره، لأنها كانت تعلم أنها إذا سحبته أو
أخرجته سيُحدث نزيفاً لا يتوقف من مكان الإصابة.
بالإضافة إلى
ذلك كله، فهي تشير إلى أن سعدا بعد أن يئس من تقديم رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم أي خدمة ترتبط بجرحه، راح يدعو بدعائه؛ فقد ورد في
الرواية هذا النص الخطير: (فحسمه رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم بالنار، فانتفخت يده، فحسمه أخرى، فانتفخت يده،
فنزفه، فلما رأى ذلك، قال)
وهذه الرواية
الوحيدة التي أرى فيها هذا المعنى المنافي لكل ما ورد في الروايات والأحاديث الكثيرة
الواردة عن إكرامات الله تعالى لرسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم
بشفاء كل من تلمسه يده الشريفة، مما تواترت به الأخبار، ومنها إبراؤه a للأعمى والأرمد ومن فقئت عينه، وقد رويت في ذلك أحاديث
كثيرة منها ما
روي أنه يوم خيبر، سأل النبي صلیاللهعلیهوآلهوسلم عن علي، فقيل: يا رسول
الله، يشتكي عينيه، قال: (فأرسلوا إليه)، فأتى به فبصق رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم في عينيه ودعا له فبرئ، حتى كأنه لم يكن به وجع،
فأعطاه الراية[1].
ومنها ما روي عن
حبيب بن فديك أن أباه خرج به إلى رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم
وعيناه مبيضتان لا يبصر بهما شيئا، فسأله: (ما أصابك؟) فقال: وقعت رجلي على بيضة
حية فأصيب بصري، فنفث رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم في عينيه فأبصر، فرأيته وهو يدخل الخيط في
الإبرة، وانه لابن الثمانين سنة، وإن عينيه لمبيضتان[2].
ومنها ما روي أن
قتادة بن النعمان أصيبت عينه يوم أحد، فسالت حدقته على وجنته، فأرادوا أن يقطعوها،
فقالوا: حتى تستأمر رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم، فاستأمروه، فقال: (لا)، فدعي به
[2] المعجم الكبير للطبراني: 4/30،
وقال الهيثمي: فيه من لم أعرفهم، انظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، أبو الحسن نور
الدين علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي، تحقيق: حسام الدين القدسي، مكتبة القدسي،
القاهرة، 1414 هـ، 1994 م، 8/298..