الروايات، والتي انتقلت فيها من مجرد أحاديث سمر ولهو إلى أحاديث
فقه وعقائد وتفسير، لتتحول بعدها إلى كتب المبشرين والمستشرقين والملاحدة يحاربون
بها الدين، ويستعملونها في التحذير منه.
وقد رأينا أنه يمكن تقسيم تلك المراحل إلى مرحلتين: مرحلة
الرواية، ومرحلة التدوين، وكلاهما كانت تحت عين السلطات الحاكمة من الفئة الباغية،
التي كانت تتهم من يخالفها بالمعارضة والخروج، ليأتي بعد ذلك سدنتها، فيصنفوا
المعارضين ضمن المبتدعة والغلاة والكذابين والوضاعين، بخلاف المرضي عنهم، والذين
قد يتحولون إلى ثقاة وعدول على الرغم من كل الجرائم التي يرتكبونها.
ونحب أن ننبه إلى أن المشكلة الأكبر في هاتين المرحلتين هو
تزامنهما جميعا، فقد امتد عصر الرواية إلى نهاية القرن الثالث الهجري، وبذلك أضيفت
الكثير من الروايات التي فرط البغاة الأوائل في نشرها، كما أن ظاهرة التدوين بدأت
ـ كما سنرى في العصر الأول أيضا ـ وبتوجيه مباشرة من السلطات الأموية.
أولا ـ المجزرة.. ومرحلة الرواية:
لا يمكن لأي
نظام مستبد أن يقوم من دون أن يوفر لنفسه غطاء علميا وثقافيا يتيح له أن يتغلغل في
أوساط العامة، ويمكن لنفسه بينها، ذلك أن القمع وحده لا يكفي؛ فالحاكم لا يريد
شعبا يطيعه بالإكراه، وإنما يريد شعبا يطيعه عن طواعية، أو يطيعه وهو يتصور أنه
يطيع الله بطاعته له.
وبما أن كل
الأديان مرتبطة بكتبها المقدسة، فقد راحت الفئة الباغية تحرف تلك الكتب، وتعبث
بها، لتنسجم مع الأهواء التي يريدها المتسلطون على الشعب من رجال السياسة والدين،
لكن ذلك لم يحصل في الإسلام لتولي الله لحفظ كتابه، كما قال تعالى: ﴿إِنَّا
نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]