ولذلك كان
الملجأ هو الروايات والأحاديث التي تنافس الكتاب والنبوة وتفسرهما، لتنزلهما من
عالم القداسة والطهر إلى عوالم الدنس البشري، الذي يريده أهل الأهواء.
ولهذا كان أول
ما سعت إليه الفئة الباغية، ووفرته هو التساهل في الرواية، ونشر الأحاديث، وتعظيم
المحدثين، وتوفير كل الدعم المادي والمعنوي لهم، من غير اهتمام بنوع الروايات التي
يروونها، ولا مدى صدقها، وهذا ما وفر في البيئة الإسلامية الكثير من الرواة الذين
قاموا بدور إعلامي كبير، مكن للتحريفات، وأسس لها، وأصبح الكثير منها من الشهرة
بحيث يصعب رده.
ونحن ـ وكل عاقل
ـ لا يمكننا أن نرفض كل تلك الروايات، ولا أن نرد كل ما أنتجه ذلك العصر، كما يفعل
بعض القرآنيين؛ فهذا أيضا من أهداف البغاة أنفسهم، لأنهم يعلمون أن السنة النبوية
المطهرة مفسرة للقرآن، ومبينة لكيفية تنفيذه، ولا يمكن الاستغناء عنها أبدا.
والحل الوسط
لذلك هو الجمع بين القرآن والروايات، ومحاكمة الروايات للقرآن، والتحقيق العلمي في
الروايات لرؤية مدى انسجامها مع القرآن الكريم؛ فما كان موافقا له قبل، وما كان
مخالفا له رفض، كما ورد الحديث بذلك، بل كما وردت الدلالة على ذلك من القرآن
الكريم نفسه، فالله تعالى يقول: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ
فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: 59]
وقد اتفق
العلماء على أن الرد لله، يعني الرد لكتابه، ويمكن تطبيق ذلك مع الروايات المختلف
فيها، أو المخالفة للقرآن الكريم، كما سنرى تطبيق ذلك في الفصل الأخير من هذا
الكتاب.
بناء على هذا
نذكر بعض مظاهر التساهل في الرواية، والتشجيع عليها في تلك المرحلة، مما أتاح ظهور
الكثير من الأحاديث المكذوبة، التي لم يتمكن العلماء من تصفيتها جميعا على الرغم
من الجهود الكبيرة التي بذلوها في ذلك.