ومن الأمثلة على
القصاصين وكذبهم ما حدث به الأعمش أنه (دخل مسجدا بالبصرة، فنظر إلى قاص يقول:
حدثنا الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي وائل، فتوسط الأعمش الحلقة وجعل ينتف شعر إبطه؛
فقال القاص: ألا تستحي نحن في علم وأنت تفعل مثل هذا؛ فقال الأعمش: الذي أنا فيه
خير من الذي أنت فيه، قال: وكيف؟ قال: لأني في سنة وأنت في كذب، أنا الأعمش وما
حدثتك مما تقول شيئا)[1]
ومما شجع على
هذه الظاهرة ارتباطها بالمال؛ فقد كان القصاصون يتاجرون بالقصص، ويأخذون المال على
ذلك، كما حدث بذلك أبو الوليد الطيالسي؛ فقال: (كنت مع شعبة، وقال عمرو الناقد:
مررت بقاص يقص وهو يقول:حدثنا أبو معاوية عن الأعمش يحدث بحديث كذب فنهيته فأبى
علي، فاشتريته منه بأربعة دراهم، قال عمرو: ثم لقيت ذلك الرجل بالشام، وهو يذكر
ذلك الحديث بعينه، فقلت بعته مني بأربعة دراهم،فقال: إنما بعتك بالعراق)[2]
والخطر الأكبر
في تلك القصص التي يبثونها، والتي لها علاقة كبيرة بمجزرة بني قريظة، استناد القصص
لأصل صحيح، ثم إضافة الكثير من الكذب عليه، فقد حدث أبو الوليد الطيالسي قال: كنت
مع شعبة، فدنا منه شاب. فسأل عن حديث فقال له: أقاص أنت؟ قال: نعم. قال: اذهب؛
فإنا لا نحدث القصاص. فقلت له: لم يا أبا بسطام؟ قال: (يأخذون الحديث منا شبرا؛
فيجعلونه ذراعا)[3]
وروى عن أيوب
قوله: (ما أفسد على الناس حديثهم إلا القصاص)[4]
[1]تحذير الخواص من أكاذيب القصاص، عبد الرحمن
بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ)، المحقق: محمد الصباغ، المكتب
الإسلامي – بيروت، الطبعة: الثانية، 1394 هـ - 1974م، ص 49.
[2] الجامع لأخلاق الراوي وآداب
السامع للخطيب البغدادي (2/ 165)