ولذلك نرى مدى
الخلاف والتضخيم الذي حصل في الروايات المرتبطة بقتلى بني قريظة، والتي تترواح بين
الأربعين والتسعمائة، بالإضافة إلى ربط الغزوة بزواج النبي صلیاللهعلیهوآلهوسلم، والذي يسارعون إليه في كل مناسبة، تبريرا لزيجاتهم
الكثيرة، كما ذكر ذلك ابن الجوزي (المتوفى: 597هـ) في كتابه [القصاص والمذكرين]
حين روى أنه (قدم إلى بغداد أبو الفتح محمد بن محمد الحريمي في سنة تسع وخمس مائة
فوعظ، فأتى بمحالات قبيحة، فكان مما قال: تزوج النبي صلیاللهعلیهوآلهوسلم امرأة، فرأى بكشحها بياضا؛ فردها؛ فهبط جبريل فقال:
(العلي الأعلى يقرأ عليك السلام ويقول لك: بنقدة واحدة من العيب ترد عقد النكاح،
ونحن بعيوب كثيرة لا نفسخ عقد الإيمان مع أمتك، لك نسوة تمسكهن لأجلك، أمسك هذه
لأجلي)[1]
والروايات
التاريخية تذكر أن هذه الظاهرة، وما يرتبط بها من الكذب امتد أجيالا طويلة؛ فقد
روى جعفر بن محمد الطيالسي أنه قال: صلى أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في مسجد
الرصافة. فقام بين أيديهم قاص فقال: حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين قالا: حدثنا
عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم: (من قال: لا إله إلا الله، خلق الله تعالى له من كل
كلمة منها طائرا منقاره من ذهب وريشه من مرجان)، وأخذ في قصه نحوا من عشرين ورقة.
فجعل أحمد بن حنبل ينظر إلى يحيى بن معين، ويحيى ينظر إلى أحمد ابن حنبل. فقال:
أنت حدثته بهذا؟ فقال: والله ما سمعت بهذا إلا هذه الساعة. قال: فسكتا جميعا حتى
فرغ من قصصه. وأخذ القطيعات، ثم قعد ينتظر بقيتها. فقال له يحيى بن معين بيده:
تعال! فجاء متوهما لنوال يجيزه. فقال له: من حدثك بهذا الحديث؟ فقال: أحمد بن حنبل
ويحيى بن معين. فقال: أنا يحيى بن معين، وهذا أحمد بن حنبل. ما سمعنا بهذا قط في
حديث رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم فإن كان لا بد والكذب فعلى غيرنا. فقال له:
أنت يحيى