نام کتاب : صفحات من أسفار المجد المزيف نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 184
الأندلس قبل دخول المسلمين
إليها، وأضافت إليها أشياء جديدة.
وهذا أكبر ما يُرد على اعتبار
دخول المسلمين إلى الأندلس فتحا، ذلك أن من أول علامات الفاتح أن ينقل ثقافته
وقيمه وأخلاقه إلى البلاد التي فتحها، لا أن يحدث العكس، وللأسف فقد حصل العكس عند
ما يسمونه فتح الأندلس، كما أشار ابن خلدون إلى ذلك عند حديثه عن القاعدة التي وضعها في مقدمته،
والتي عبر عنها بقوله: [المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته
وسائر أحواله وعوائده]،وحاول أن يدافع عنها بما أطاق، لكنه اصطدم بتقليد الغالبين في
الأندلس للمغلوبين؛ فراح يضع قاعدة أخرى عبر عنها بقوله: (حتّى أنّه إذا كانت أمّة
تجاور أخرى ولها الغلب عليها فيسري إليهم من هذا التّشبّه والاقتداء حظّ كبير كما
هو في الأندلس لهذا العهد مع أمم الجلالقة فإنّك تجدهم يتشبّهون بهم في ملابسهم
وشاراتهم والكثير من عوائدهم وأحوالهم حتّى في رسم التّماثيل في الجدران والمصانع
والبيوت حتّى لقد يستشعر من ذلك النّاظر بعين الحكمة أنّه من علامات الاستيلاء
والأمر للَّه. وتأمّل في هذا سرّ قولهم العامّة على دين الملك فإنّه من بابه إذ
الملك غالب لمن تحت يده والرّعيّة مقتدون به لاعتقاد الكمال فيه اعتقاد الأبناء
بآبائهم والمتعلّمين بمعلّميه)[1]
وهذا يدل على أن الذين كانوا
يحكمون الأندلس لم يكن لهم أي حظ من الدين، ولا أي هدف رسالي، بل كان هدفهم فقط
الدنيا وشهواتها، والتي وجدوا منها في الأندلس ما لم يجدوه في بلادهم، مثلما يفعل أمراء
الخليج في هذ العصر عندما يذهبون إلى أوروبا وأمريكا، وينسون كل ما يمت إلى قيمهم
بصلة.
بل إن الأمر بلغ بالمسلمين حينها
ـ بسبب إفراطهم في الشهوات ـ إلى مرتبة دون مرتبة