نام کتاب : صفحات من أسفار المجد المزيف نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 90
يعرض لمن قتلهم
من الصالحين، ولا لما سببه في الأمة من بعده من فتن، يقول في ذلك: (وأمّا ما تموّه
له الحكاية من معاقرة الرّشيد الخمر واقتران سكره بسكر النّدمان فحاشا الله ما
علمنا عليه من سوء، وأين هذا من حال الرّشيد وقيامه بما يجب لمنصب الخلافة من
الدّين والعدالة وما كان عليه من صحابة العلماء والأولياء ومحاوراته للفضيل بن
عياض وابن السّماك والعمريّ ومكاتبته سفيان الثّوريّ وبكائه من مواعظهم ودعائه
بمكّة في طوافه وما كان عليه من العبادة والمحافظة على أوقات الصّلوات وشهود
الصّبح لأوّل وقتها. حكى الطّبريّ وغيره أنّه كان يصلّي في كلّ يوم مائة ركعة
نافلة، وكان يغزو عاما ويحجّ عاما ولقد زجر ابن أبي مريم مضحكه في سمره حين تعرّض
له بمثل ذلك في الصّلاة لمّا سمعه يقرأ، { وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي
فَطَرَنِي } [يس: 22]، وقال والله ما أدري لم؟ فما تمالك الرّشيد أن ضحك ثمّ التفت
إليه مغضبا، وقال: يا ابن أبي مريم في الصّلاة أيضا إيّاك إيّاك والقرآن والدّين
ولك ما شئت بعدهما)[1]
وهكذا راح
يستدل بأمثال هذه الروايات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولكنه بعد أن وجد نفسه
غير قادر على رد تلك الروايات الكثيرة في معاقرة الخمر، راح يدافع عنه بقوله: (إنّما
كان الرّشيد يشرب نبيذ التّمر على مذهب أهل العراق وفتاويهم فيها معروفة، وأمّا
الخمر الصّرف فلا سبيل إلى اتّهامه بها، ولا تقليد الأخبار الواهية فيها فلم يكن
الرّجل بحيث يواقع محرّما من أكبر الكبائر عند أهل الملّة، ولقد كان أولئك القوم
كلّهم بمنحاة من ارتكاب السّرف والتّرف في ملابسهم وزينتهم وسائر متناولاتهم لما
كانوا عليه من خشونة البداوة وسذاجة الدّين الّتي لم يفارقوها بعد فما ظنّك بما
يخرج عن الإباحة إلى الحظر وعن الحلّة إلى الحرمة) [2]