قبل
أربعة عشر قرناً مضت، فالواقع أنَّ أهل مكَّة الَّذين كانوا يكرهون المسلمين كرهاً
شديداً، وكانوا يستمعون لهذا الوحي المرَّة تلو المرَّة وهو يدَّعي بأنَّ ما
يسمعونه شيءٌ جديدٌ لم يعرفوه من قبل، لم يستطع أحدٌ منهم أن يرفع صوته قائلاً: (لا، ليس هذا بجديد. فنحن نعلم من أين جاء
محمَّدٌ بهذه المعلومات، فقد تعلَّمناها في المدرسة)
إنَّهم
لم يستطيعوا أبداً تحدِّي أصالة القرآن الكريم، لأنَّه فِعْلاً كان شيئاً جديداً.
سكت
قليلا، وكأنه يسترجع ذكرياته، ثم قال: في إحدى المرَّات جاءني رجلٌ بعد أن أنهيت
محاضرةً ألقيتها في جنوب إفريقيا، لقد كان غاضباً جدّاً لما قلتهُ، ولذلك ادَّعى
قائلاً: (سأذهب إلى بيتي الليلة ولا بُدَّ أن
أجد خطأً ما في القرآن)، فأجبته طبعاً: (أُهنِّئُك. فهذا هو الشيء الأكثر ذكاءً فيما قلته)
بالتأكيد،
هذا هو الموقف الَّذي يجب أن يتَّخذه المسلمون مع أولئك الَّذين يشكُّون في أصالة
القرآن الكريم، لأنَّ القرآن الكريم نفسه يُقدِّم هذا التحدِّي، فحتماً بعد القبول
بهذا التحدِّي، والاكتشاف بأنَّ القرآن حقّ، فإنَّهم سيؤمنون به لأنَّهم لم
يستطيعوا أن يجرِّدوه من صحَّته؛ بل سيكتسب احترامهم لأنَّهم تأكَّدوا من أصالته
بأنفسهم.
والحقيقة
الأساسيَّة الَّتي يجب أن تُكرَّر كثيراً بخصوص التثبّت من أصالة القرآن الكريم،
هي أنَّ عدم قدرة أحدهم على توضيح أيِّ ظاهرةٍ بنفسه لا يلزمه بقبول وجود هذه
الظاهرة، أو قبول تفسير شخصٍ آخر لها.
وهذا
يعني أنَّ عدم قدرة الإنسان على تفسير شيءٍ ما لا يعني أنَّه يجب بالضرورة أن يقبل
بتفسير الآخرين. ومع ذلك فإنَّ رفض الإنسان لتفسير الآخرين يعود بالعبء عليه نفسه
ليجد جواباً مُقْنِعاً. هذه النظريَّة العامَّة تنطبق على العديد من المفاهيم في
الحياة، ولكنَّها تتناسب بشكلٍ كبيرٍ مع التحدِّي القرآني، لأنَّها تشكِّل صعوبةً
كبيرةً لمن يقول: (أنا لا أومن بالقرآن)، ففي اللحظة الَّتي يرفضه فيها، يجد الإنسان
نفسه ملزماً بأن يجد التفسير لذلك بنفسه، لأنَّه يشعر