وهذه الروايات هي التي جعلت علماء الشيعة يعتبرون كل كتبهم الحديثية محال
للمناقشة والنقد لأي رجل بلغ درجة الاجتهاد من غير نكير عليه، وقد قال الشيخ
المفيد في كتابه [تصحيح الاعتقاد]: (وكتاب الله تعالى مقدَّم على الأحاديث
والروايات، وإليه يتقاضى في صحيح الأخبار وسقيمها، فما قضى به فهو الحقّ دون سواه)[2]
ولهذا نرى الشيعة رغم احترامهم الشديد لكتاب الكافي ولمؤلّفه محمّد بن
يعقوب الكليني وشهادتهم له بتبحّره في علم الحديث، إلاّ أنهم لم يدّعوا بأنّ ما
جمعه كلّه صحيح، بل إن من علماء الشيعة من طرح أكثر من نصفه، وقال بعدم صحتها، ومع
ذلك لم يشاغب عليه مثلما يشاغب علينا بسبب الحديث والحديثين.
بل إنّ الشيخ الكليني نفسه لا يقول بصحّة كلّ الأحاديث التي جمعها في
الكتاب، فقد ذكر في كتابه أن أئمة أهل البيت وضعوا قواعد لحلّ اختلاف
الأخباركالعرض على القرآن، وأنّه سيعمل على هذا المنهاج، لكن مع هذا لم يدّع
توفيقه لتدوين الآثار الصحيحة فقط، ولذا اعترف بالتقصير وقال له: (وقد يسّر الله
تأليف ما سألت وأرجو أن يكون بحيث توخّيت، فمهما كان من تقصير فلم تقصر نيتنا في
إهداء النصيحة)
إضافة إلى ذلك، فقد عقد في كتابه باباً بعنوان (الأخبار المتعارضة) أو
(الأخبار المختلفة) وبيّن فيه أن الأئمة أمروا بالرجوع في هذه الحالة إلى القرآن
أو المشهور أو غير ذلك، وذلك كله دليل على أنّه لا يشهد بصحة كتابه كله.
ومثل ذلك نرى موقف الزيدية؛ فهم متفقون مع إخوانهم من الإمامية في ذلك، فقد