غير متقنة، أمّا مع تقدّم أساليب الكتابة وفيها من التوضيح ما يجعل امر
القراءة سهلا على الجميع، فلا بدّ من تغيير ذاك الرسم الى المصطلح الحاضر الذي
يعرفه كافة الأوساط وليكون القرآن في متناول عامّة الناس، وفي ذلك تحقيق للغرض
الذي نزل لأجله هذا الكتاب الخالد ليكون هدى للناس جميعا مع الأبد.. وليس في نصوص
الكتاب ولا مفهومه، أن رسم القرآن وضبطه لا يجوز إلّا على وجه مخصوص وحدّ محدود لا
يجوز تجاوزه. ولا في نصّ السنة ما يوجب ذلك ويدلّ عليه. ولا في إجماع الأمة ما
يوجب ذلك، ولا دلّت عليه القياسات الشرعيّة.. بل السنة دلّت على جواز رسمه بأي وجه
سهل، لأنّ رسول الله a
كان يأمر برسمه ولم يبيّن لهم وجها معيّنا، ولا نهى أحدا عن كتابته، ولذلك اختلفت
خطوط المصاحف فمنهم من كان يكتب الكلمة على مخرج اللفظ، ومنهم من كان يزيد وينقص
لعلمه بأنّ ذلك اصطلاح وأنّ الناس لا يخفى عليهم الحال. ولأجل هذا بعينه جاز أن
يكتب بالحروف الكوفية والخطّ الأوّل، وأن يجعل اللام على صورة الكاف، وأن تعوج
الألفات، وأن يكتب على غير هذه الوجوه، وجاز أن يكتب المصحف بالخطّ والهجاء
القديمين، وجاز أن يكتب بالخطوط والهجاء المحدثة، وجاز أن يكتب بين ذلك.. وإذا
كانت خطوط المصاحف وكثير من حروفها مختلفة متغايرة الصورة وكان الناس قد أجازوا
ذلك، وأجازوا أن يكتب كلّ واحد منهم بما هو عادته، وما هو أسهل وأشهر وأولى، من
غير تأثيم ولا تناكر، علم أنّه لم يؤخذ في ذلك على الناس حدّ محدود مخصوص، كما اخذ
عليهم في القراءة والأذان) [1]
ثم علل ذلك ـ عقلا ـ بقوله: (والسبب في ذلك أنّ الخطوط إنّما هي علامات
ورسوم تجري مجرى الإشارات والعقود والرموز، فكلّ رسم دالّ على الكلمة مفيد لوجه
قراءتها