وهي من الخصائص المهمة، والمرتبطة بما قبلها، ذلك أن الاستيعاب والشمول،
والانفتاح على كل المعارف، يجعل القارئ شغوفا بالتفاصيل التي تفيده في التعرف على
حقائق الأشياء، وبحسب المناهج العلمية، لا بحسب الخرافة والدجل، وهو ما يفسر سر
الكم الكبير من المؤلفات التي ألفها الإيرانيون في هذا المجال؛ فهم عند طرحهم لأي
قضية يعالجونها بحسب ما تقتضيه من مناهج، مع صبر وأناة عظيمين.
ومن الأمثلة على ذلك المباحث العلمية الكثيرة حول قصة ذي القرنين في القرآن
الكريم؛ فهم لا يكتفون بما أورده أصحاب التفسير بالمأثور من روايات، ولا بما يذكره
أصحاب التفسير الاجتماعي من عبر ودروس، وإنما يضيفون إليهما التحقيق والتنقيب
للتعرف على القصة بتفاصيلها.
ومن الأمثلة على ذلك ذلك التساؤل الذي طرحه العلامة محمد هادي معرفة، حول
[يأجوج ومأجوج]، والذي أجاب عنه بقوله: (عنوان أطلقه القرآن الكريم على السلالات
البشريّة المتوحشة في عصر ذي القرنين.. والجغرافيّة البشريّة تحاول وضع تصوّر
محدّد لأنماط الاستيطان البشري لتلك الجماعات وتدرس تسلسلهم في قائمة الأجناس
البشريّة، وتحدّد الحقبة الحضاريّة ـ من عمر البشريّة ـ التي كانوا يعيشون
أثناءها.. وتذكر بعض الدراسات أنّ أصل يأجوج ومأجوج من أولاد يافث بن نوح، وأنّ
التسمية مأخوذة من أجيج النار وهو: ضوؤها وشررها، عنوان مستعار يشير إلى كثرتهم
وشدّتهم.. وذكر بعض المدقّقين في البحث عن تأصيلهم: أنّ أصل المغول والتّتر من رجل
واحد يقال له: (ترك). وهو نفس الذي سمّاه أبو الفداء باسم (مأجوج) فيظهر من هذا
القول أنّ المغول والتتر هم المقصودون بيأجوج ومأجوج، وهم كانوا يشغلون الجزء
الشمالي من آسيا، تمتدّ بلادهم من (التبّت والصين) إلى المحيط المتجمد الشمالي،
وتنتهي غربا بما يلي بلاد (التركستان) وكلمة (تتر)