الله صلّى الله عليه وسلّم ومسجده أغدو وأروح إليه والصلاة فيه تعدل بألف صلاة، فانصرف القوم عنه وانطلق علي بن عبد الله بن عباس يرتاد ويطلب حتى أتى رستاقا بين الشام والمدينة فاشترى فيه قرية يقال لها الحميمة [1] فنزلها ونزلها ولده فكانوا بها، وقلّ قدومهم المدينة. أبو المنذر عن عوانة والشعبي أن ابن [48 أ] عبّاس دخل المسجد وقد سار الحسين بن علي عليه السلام إلى العراق فإذا هو بابن الزبير في جماعة من قريش قد استعلاهم بالكلام، فجاء ابن عباس حتى ضرب بيده على عضد ابن الزبير ثم قال: أصبحت والله كما قال الأول:
يا لك من حمّرة بمعمر ... خلا لك الجوّ فبيضي واصفري
ونقري ما شئت أن تنقري [2]
خلت الحجاز من الحسين بن علي وأقبلت تهدر في جوانبها. فغضب ابن الزبير فقال: والله إنّك لترى أنّك أحق بهذا الشأن من غيرك. فقال ابن عباس: إنّما يرى من كان في حال شكّ، وأنا من ذلك على اليقين. فقال ابن الزبير: وبأي شيء استحقّ عندك أنّكم أحقّ بهذا الشأن منّي؟ فقال ابن عبّاس: لأنا أحقّ بحقّ من تدل [3] بحقّه أنت. يا ابن الزبير! وبأي شيء استحقّ عندك أنّك أحقّ بها من سائر العرب إلّا بنا؟ فقال ابن الزبير: [1] تقع الحميمة على يمين الطريق من معان إلى العقبة، إذ يقطع المسافر من الحميمة 12 كم ليبلغ الطريق، وبعدئذ يقطع 75 كم ليصل العقبة.
[2] في الحيوان للجاحظ (تحقيق عبد السلام هارون القاهرة 1938) ج 3 ص 66 وج 5 ص 227، «يا لك من قبرة بمعمر» . والرجز منسوب لطرفة بن العبد. وانظر حياة الحيوان للدميري (مطبعة الاستقامة 1963) ج 2 ص 24. [3] في الأصل: «يدك» .