نام کتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق نویسنده : عبد العزيز صالح جلد : 1 صفحه : 433
وهنا تقدم الراعي بنفسه إليها واستنكر منها أن تفضل الفلاح عليه، وأخذ يثبت لها أن الفلاح ما امتلك شيئًا إلا وكان عند الراعي ما يقابله، فلديه شاته البيضاء التي تقابل ثوبه الأبيض، وعنده اللبن الأصفر الذي يقابل جعته الفاخرة، والجبن الذي يقابل خبزه ... إلخ، وادعى أنه يستطيع أن يعول الفلاح بفتات موائده، ويبدو أنها اقتنعت برأيه ومالت إليه، فتشجع وواجه الفلاح وبدأه بالمشاجرة فاتقى الفلاح شره ولاينه ودعاه إلى أن يترك أغنامه ترعى في حقوله وترتوي من قنواته، فلانت شدة الراعي بدوره ومال إلى مصادقته ودعاه إلى عرسه لا سيما بعد أن عرض عليه أن يهدي عروسه بعض خيراته.
صور الأدباء السومريون عالم الموتى "كور" باعتباره عالم الظلام والمخاوف وعالمًا لا رجعة منه[1]. وحملت كلمة كور معاني كثيرة ومنها معاني الجبل والقطر الأجنبي والمتاهة والفراغ الكائن بين سطح الأرض وبين المحيط الأزلي[2]. ومما يستشهد به عن عالم الموتى أسطورة عرفت اصطلاحًا باسم "نزول إنانا إلى العالم السفلي".
وتروي الأسطورة أن إنانا اشتاقت إلى أن ترى ملك أختها الكبرى إرشكيجال ربة العالم السفلي، فتركت دنيا الأرض والسماء، وهجرت معابدها، ولكنها لم تنس فتنتها وزينتها فاكتحلت بكحل يسمى "دعه يأتي، دعه يأتي" وأصلحت هندامها، وتزينت بحليها الفاخرة وكانت منها قلادة تسمى "تعال يا رجل، تعال ... " وتحصنت برموزها السحرية السبعة واصطحبت تابعها الأمين "ننشوبر" إلى بوابة العالم السفلي، ولكنها تخوفت ما عساها تلقاه في ذلك العالم المجهول لا سيما من أختها اللدود ربة الموت والظلام، فأوصت تابعها بأن يترقب عودتها ثلاثة أيام فإن لم تعد إليه ملأ السماء صياحًا، واستصرخ الأرباب لإنقاذها.
وعندما اقتربت إنانا من قصر اللازورد عند مدخل العالم السفلي بدأت بأسلوب التعاظم وخاطبت الحارس بجفاء وأمرته بفتح بابه وذكرت له أنها "إنانا من مشرق الشمس"، فرد عليها بمثل لهجتها وقال لها، إذا كانت إنانا من مشرق الشمس، فلم أتيت إذن إلى أرض لا رجعة منها، وطريق لا يعد منه مسافر، وكيف طاوعك قلبك على ذلك؟ "، فادعت أنها علمت بمقتل زوج أختها الكبرى، السيد جوجا لانا، وأنها تود أن تحضر مراسيم جنازته، فاستأذنها في أن يبلغ الأمر لمولاته، ولما قص لمولاته قصتها ووصفها لها عرفتها وأمرته بأن يفتح لها مزاليج العالم السفلي السبعة وأن يجعلها تنحني في حضرتها، فأطاع امرها، وأدخل إنانا، وكانت كلما دخلت بابا نزعوا عنها أحد رموزها وحليها، فإذا سألتهم عن سر ذلك قالوا لها "اصمتي إنانا فتقاليد العالم السفلي قد استقرت، فلا تناقشي مراسيمها"، حتى إذا بلغت البوابة السابعة نزعوا عنها ثوبها، وأدخلوها على أختها التي استوت على عرشها فانحنت أماها عارية، ولم يلبث أعوانها القضاة السبعة "وهم فريق من [1] Kramer, Jcs. Ii, “1948”, 60 F.; Anet, 41 F. [2] كرامر: من ألواح سومر - ص261، 282.
نام کتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق نویسنده : عبد العزيز صالح جلد : 1 صفحه : 433