نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 1 صفحه : 215
إذن تسمّي المطر "غيثًا"؟ وأن تفزع وتتوجع من انحباسه، وأن تفزع إلى آلهتها تتوسل إليها لإرسال سحب المطر إليها، وتتقرب إليها بالدعاء وبصلوات "الاستسقاء"و "الاستمطار"، لترسل إليها غيثًا يغيثها ويفرج كربتها يدرأ عنها مصيبة تنزل بها إن انحبس المطر؟ لذلك كان انحباس "الغيث" عند العرب كارثة يتألم منها الناس، ويكابد من فداحتها الحيوان.
والجفاف هو الصفة الغالبة على جوّ جزيرة العرب؛ فالأمطار قليلة والرطوبة منخفضة في الداخل إلا التهائم والسواحل، فإنها ترتفع فيها كما ذكرنا. ولكنّ الطبيعة رأفت بحال بعض المناطق، فجعلت لها مواسم تنزل فيها الغيث، لإغاثة كل حي، وأهمها اليمن. أما عمان، فينزل فيها مقدار منه، ينفع الناس ويعينهم على تصريف أمورهم. وأما باقي الأقسام، فإن أكثرها حظوةً ونصيبًا من المطر، هي النفود الشمالي، وجبل شمر، فتنزل بها الأمطار في الشتاء، فتنبت أعشاب الربيع. وأما الصحاري الجنوبية فلا يصيبها من المطر إلا رذاذ، وقد تبخل الطبيعة عليها حتى بهذا الرّذاذ[1].
وينهمر المطر أحيانًا من السماء وكأنه أفواه قرب قد تفتحت، فيكوّن سيولًا عارمة جارفة تكتسح كل ما تراه أمامها، وتسيل إلى الأودية فتحوّلها إلى أنهار سريعة الجريان. وقد لاقت "مكة" من السّيول مصاعب كثيرة، وكذلك المدينة والمواضع الأخرى[2] وقد يهلك فيها خلق من الناس، وتسيل مياه السيول إلى مسافات حتى تصب في البحر، وقد تبتلعها الرمال فتغوص فيها وتجري في باطن الأرض مكوّنة مجاري جوفية، تقترب وتبتعد عن قشرة الأرض على حسب قربها أو بعدها منها، وعلى حسب قرارة المكان الذي تسيل عليه. وقد تبلغ البحر فتدفق عيونًا في قاعة، كالذي نشاهده في الخليج بين الساحل والبحرين.
وقد استفاد أهل اليمن بصورة خاصة وأهل حضرموت والحجاز من السّيول بأن بنوا سدودًا للسيطرة عليها، ولحبسها إلى حين الحاجة. وسدّ "مأرب" الشهير هو خير تلك السدود شهرةً وصيتًا، وقد غذى بإكسير الحياة مساحات واسعة من أرض سبأ. وقد وجد السياح آثار سدود قديمة في نواحي من الحجاز ونجد والعربية الجنوبية تعود إلى ما قبل الإسلام، بنيت في مواضع ممتازة تصلح [1] حافظ وهبة: جزيرة العرب "6". [2] البلاذري، فتوح البلدان "53 فما بعدها"، الأزرقي، تأريخ مكة.
نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 1 صفحه : 215